اختفى الرجل الكلاسيك وسيارته
’’خردة فى عيون الكنز‘‘
’’اردت أن تعرف الكلاسيك .. اركب معي فى جولة‘‘
لم يكد يمر أي وقت، بعد أن وصلت إلى مكان الانطلاق، حتى دق الناقوس، حدث ذلك فى نوفمبر من العام ٢٠٢٠، حين بدأت مصر فى تسجيل أولى حالات كورونا، الثانية والثالثة، ثم بدأت التقارير. لم نكن نعلم أنها البداية لتحرير جهات أخرى، بانتظام طوال شهور العام، العمل على إحصائيات أخرى، الوفيات، البطالة، وغيرها الكثير من الرسوم البيانية، التي أخذت المنحنى من الأسفل إلى الأعلى، حدود القتل الملل.
كان ذلك أيضا حيث التحقت بجريدة الشروق، والقبول بالتدريب لفترة من الوقت قد تطول، بعد إيضاح الأمور، واجتياز المقابلة. تسلمت العمل فى قسم المحتوى الذي نشأ حديثا فى الجريدة، نشرت تقريري الأول مجازا بلغة نشره، فقد كانت هناك تقارير أخرى ستظل تصلح لأن تكون مادة جيدة، لكنها ستشكل أفضل بحيث تكتسب الطريقة، أو النهج المتبع كما يخبرني، كان من المفترض أن يتسلم مني كل يوم، على الأقل، ثلاث تقارير عبر الإيميل، لم أكن منتظم الحضور، ولم يقرر ما إذا كانت مقبولة للنشر، أو مرفوضة خلال أسبوعي عمل بعد تاريخ إدخالها، وإذ يسجل إعجابه بما جاء فيها، لكنه فى الوقت نفسه، يود أن يدعوني للاطلاع أكثر على أبواب الموقع، للتعرف على شكل المواد الذي ننشره، تكلم معي على انفراد مرة أخرى بشأن ثلاث تقارير علمية، كانت تفي الغرض لكن ينقصها المصادر، عدا ذلك كتابتك جميلة ولديك الأسلوب والموهبة، ينقصك فقط أن تعرف عن الطريقة المزمع عملها هنا؟ أصابني السأم والإحباط، اعتقدت أنني سأموت شيئا، قبل أن أعرف عن الطريقة؟ ثم قال عن تسليم أمري إلى النائب منذ الآن، لتنتهي مهمته.
كلفني النائب، بنبرة اقتراح خلال يومين، تمرينا يقاد بين إعداد التقارير المطولة، وهذه فرصة جيدة أن أرى الوضع ثانية و أتعرف عليه،
غير مبتكرة، اتفقنا على أنها بكثرة فى الانحاء من خلال المواد المنشورة، مهمتي أن أقوم فقط بجمعها متفرقة، مركز لونها ولربما تعرف هنا أنها محددة بوسْم، وحصرها مرتبة بعناية من وقت الحدوث مقارنة باليوم، لا بد من الإحاطة بالنسب الأولية، مدوناً العناصر المصابة على تعدد واختلاف ظروفها، والأسباب التي ساهمت فى تركيبه و إيصاله إلى صورته الحالية، فى البلاد؛ كان يشرح على نماذج فى الخلفية، ظللت أتطلع إليها كما لو أنها تتهرب.
مسودة سبورة، وفى حال قبولها قد يتواصل معي النائب، بالملاحظات التحريرية لتطويرها، أو استكمالها، أو مراجعة أي معلومات، أو مصادر، أو أي طلبات تحريرية أخرى، مقدما لي الدعم التحريري والتقني اللازم.
انتهيت من الملف، ألقيت عليه نظرة، وشعرت أنه لن يكن بالشكل المرغوب فيه، أصبح الملف تقريبا دون ملامح، لم أترك أي شئ يخص الموضوع إلا وقمت بإضافته، عبر لي بشئ من الابتسامة والتعب، أن هناك الكثير من الوحل تحت الأظافر، ينبغي أن تكن أسطر قليلة بعبارات موجز النشرة فى كل فترة، أما هذا يحتاج إلى مجهود أكبر للتنسيق من الشغل المبذول فى عمله.
فى اليوم التالي، قال لي إيطاليا وسكت، ظننت أن الأمر يخص الجداول دون الإطار مرة أخرى، أمامي كل الوقت قبل أن يعود، كي أناقش معه ما أنا مستعد لطرحه، جلست أفكر مليا، ترجمت وكتبت كل ما أعرفه عن الإيطاليين، كان هذا يفوق الحد، بركة وعليك اصطياد أي ما سوف يغازل تقديرك، وأنا أقدر بالشبكة بدلا من الصنارة، فلا هناك طعم يجتذب ما أحتاجه فعلا، أحتاج إلى شئ من تلك الطريقة التي أعمل بها، فى الكلية، عرفت ما سوف أقوله للنائب، لقد أتى بالفعل فى الموعد المحدد، ستكون زميلتي إلى جهة اليمين، حيث يتابع معها أيضا ما كان انتهى، أو يجب أن يكون، مضى فى طريقه للمرة الثانية. كانت تسألني بعض الأسئلة عن بعض الأشياء، وكانت تشعر غرابة، لبعض الأشياء التي أخبرها بها. بعد ذلك، كان تبدأ هي في الحديث. رتبت معي أشياء كثيرة، من طريقة العمل، والمصادر، وفرص الترقي، وكل شئ آخر أود معرفته أم لا؟ حتى أننا تحدثنا عن التقارير الأولى التي لم تغادر الإيميلات، قالت لي لو لم أتعامل مع هذه الأمور لأصبحت منسيا، تقصد أن أتوقف عن الخجل والانتظار، هيا لتمارس بعض الزن، هكذا بكل بساطة، ثم أدركت أن لديها عملا يجب إنجازه. عاد من جديد بسرعة هذه المرة، يسأل قبل أن يضع الباب فى ظهره، الام توصلت؟
قلت له أن الأمر سهل، أردت فقط معرفة حال الحركة فى إيطاليا بهذه الطريقة دوناً عن باقي أوروبا؟ قوبل باهتمام، قبل أن يعرف أنني أعمل عليه بالفعل، كانت الأرقام تزيد بمعدل لا يصدق كل يوم، يمكنك أن تضخ فى هذه الأرقام ما يكفي من الحياة كي تجعلها مثيرة للجميع، كان لدي الأفلام ومسلسل Sopranos، والقول الأثير أن حياتهم تشبه حياتنا، وكان هذا الهدف من إنشاء قسم المحتوى، أن نعالج عددا من القضايا، وأن نحكي القصص فى أبسط التقارير، اتضح لرئيس القسم والنائب، وأيضا زميلتي التي ساعدتني على صياغته، أنني الآن مستعدا لأصبح ضمن الفريق، تبادلا النظر بينما أشرح، ويبدو لي أنها عرفت أنني لست ضائعا إلى هذا الحد، لكن أيضا لا زال علي الاهتمام بنفسي بالذات عندما يتعلق الأمر بك، لأنني لو لم أفعل لن يفعل أحد.
شعرت بالحرج و الحنق مثلما أشعر على الدوام، ومع ذلك، لا أستطيع استبعاد فكرة كونها صادقة.
أعترف أنها نجدت ما تبقى منى داخل المستنقع، كان كل شئ يقبع فى حالة فوضوية، ومرة أخرى كان الملف يحتاج أن يعيده متخصص إلى نفسه، كانت تحف الكلمات من كلا الجانبين، كأنها تقطع بعض الأغصان والفروع، بغية التنظيم لا أكثر، لاحظتها مترددة أكثر من مرة وهي تقوم بعملية التظليل، فى أن تضيع فقرات كاملة بسبب مجهود البحث، لم ترد هذا لي، استنتجت وكان ما قالته مباشرة، ثم وجدنا سويا أنها حذفت فى النهاية ما قد حددته فى التظليل، لكن بطريقة ألطف، بملامح أكثر حذر وجدية.
كنت أطمح لفعل أشياء أخرى لن يطلبها أحد مني ربما، لكنني سوف أسعى فى هذا، وعندما نجحت فى بلورة خطوات عملية تأخذ شكلا يمكن الاستناد عليه فى العرض، أبلغت رئيس القسم عن خطتي، ولم يبدو أنه متحمسا كما كنت أرى، نويت تفريغ الحوار ونشره كما هو، وكان هذا أفضل شئ فى ذلك الوقت تراءى لي فعله، سألني مرة أخرى من هو؟ قلت له شاب جامعي يدعي أحمد ناصر، هاوي سيارات كلاسيك. تمنى لي التوفيق ثم انصرف. مخلفا وراء ظهره أكبر علامة تعجب، لم لا تكتب قصة عن شؤون نعرفها أنا وأنت بدلا من تضييع الوقت؟
فى اليوم التالي بعد اليوم مباشرة الذي حصلت فيه على الحوار، طردت من المكان دون أن أعرف، قال لي رئيس القسم أنه سينظر فى الأمر، ويحاول الوصول إلى تسوية مرضية لكلا الطرفين، لا يريد وصفها بأنها التماس، لكنني سوف أعتذر على أية حال، عرفت على الفور أنه عندما تنطلق الكلمة، فإن الاحتمالات سوف تتلاشى، علي الذهاب إلى المنزل الآن ريثما يهدأ الأمر ويتصل بي، بعدها أخبرني أن الجريدة بصدد تصحيح مسارها، على ضوء باقات من العمل الجديدة، ستشمل إجراءات الإعفاء بشأن المتدربين لوقت غير معلوم، بسبب الأزمة الحالية.
كنت أجلس فى القسم، الذي يكون فارغا لمعظم الوقت، أو يتوافر به مكان غائب على الأقل كحال الأقسام الأخرى فى أيام العطل، أو يكون كذلك لبضع ساعات فى أوقات العمل الميداني، كان يقع فى الطابق الأسفل، تعودت وقوف المصعد أمام أدراجه، أدخل دون أن يعرف أحد بوجودي غالبا، بسبب عدم توافر الأمكنة فى الأعلى، وهذا ما كنا جميعا نفعله، الجميع يتحقق رغم ذلك، من اليوم الأول كان يقال لي ليس لأحد مكانا ثابتا، احصل على واحد، كما كان يقال أيضا، أنني صغيرا على سني. كنت أفرغ التسجيلات، منكب على المكتب واضعا قدمي فوق الأخرى، موجها نفسي إلى الأمام، أحاول التركيز بعيدا عن ذلك الصوت الذي ملأ المكان لتوه، ومع تجواله فى المكان بحرية يمكنك رؤية السعادة والنشاط على وجهه وإن لم تنظر إليه، كان واحدا من هؤلاء الكباتن الكبار من رجال الأعمال الذين تراهم دائمًا فى التلفاز، وهم يركضون فى الصباح إثر مناقشة مفتوحة قبل التوجه إلى العمل، ومع الصوت الذي نفذ إلى أذني بدا مألوفا أكثر؟ أين التقيت به؟ هل يعقل أن يكون هو؟ لقد التقيت به مرة واحدة فى القسم نفسه، وبدا لي أنه يحب الهزار الشديد حتى إن كنت كطرف مستقبل لا تقبل أو تهتم، ولا أحد يستطيع أن يجادل، ولم أعرف وقتها من هو؟ أو أفهم لم كل هذا؟ لكنني أيضا لم أتحرك ساكنا، عندما قذف منديلا ورقيا، خطف الطريق أمام عيني إلى الشخص المقصود.
الصوت كان فظا، عاليا بما يكفي ليعبر السماعات إلى الأذن مباشرة، أحاول بصبر ألا أرى بوضوح شخصا يزعجني أو يحاول تشتيت انتباهي، منذ دخوله، فى كل مرة كان يهرع على يميني، كأنه يعتز علنا بفيض تلك الطاقة الرائعة التي تتدفق منه، وقف على رأس الزميل الذي يجلس معي فى الغرفة، يعدل معه على الملف من الخارج فيما يشبه اللوحة الأم أو المرجع إلى الداخل فى الكمبيوتر، تذكرت شيئا، كان قسم وحدة القانون، ولم يكن فارغا لمعظم الوقت، ظننت أنه قد يكون دائما لأنه كان لمرة، لا يوجد غيرنا حيث جلست مع زميلتي، راح الآن يجلس مكانها وهو يسأل عن زميل آخر متأخر والذي أجلس مكانه، كان يحاول معه على الهاتف المحمول ويتحدث مع الطرف الآخر قبالته جواري، قائلا لن يتأخر مرة ثانية لأنه لن تكون هناك مرة أخرى، هدأ قليلا ريثما يعمل الجهاز أمامه، بدأ بعدها فى نقل بعض البيانات، من الورق المخطط معه إلى ملف الوورد، كان يسحب أجزاء قصيرة منه عبر أدوات التوجيه، وضع الهاتف على المكتب، ولم يكن قد انتهى من سماع ما يحاول صديق الغائب قوله بعد، إلا وقد حول الدفة إلى سؤاله عني، ثم التفت إلي فجأة وهو يتحرك نحو المقعد جانبي.
سألني كيف دخلت إلى هنا؟ قلت له فى حركة مناورة بوجهي، أنني فعلت بينما لم يكن هنا، كنت أقصد من النكتة كي يمنعني، أن تقول نكتة هذا شئ ولمن تقولها هذا شئ آخر، ولكي تفعل ذلك عليك بالوصول إلى الأداء المطلوب الذي يحتل نصف النكتة الأهم، ويقع النصف الآخر على عاتق الجملة نفسها وطريقة تقديمها، لم يضحك وإذا به يعلق بطريقة خائبة الأمل، وصوت غريب مسموعا بالكاد، كأن يعيد الجملة عليّ بطريقة مستنفرة لا تكفي، كأنه يحتاج إلى ما هو أقوى بطلب إعادة تعريف الكلمة فى القاموس، أو بثها كما هي فى محطات الإذاعة المحلية كنوع من التوعية، وقعت الكلمات على مسامعه، وعكست لي فورا أنني اقترفت الخطأ الكبير، واجهت الحائط، حيث نفذت إليها عيني من خلال الشاشة، بعد أن كان يتأرجح على الكرسي فى كلا الاتجاهين، ثبت المقعد معتدلا، موجها نفسه بالكامل نحوي مثل دائرة الضوء، وكنت أستطيع أن أرى، من أقصى ركن يمكن أن تصل إليه عيني من الداخل فى المحجر، أن هامش الخطأ يمكن أن يبلغ ما يصل إلى بضع مئات من الأمتار، وفقا للبيانات المحيطة.
يرتسم الصمت على وجهي، يتوقف التحرك بمعدل عشوائي فى نصف قطر الدائرة، إلى مساحة أصغر، إلى بنادول فى المستوى الأخير من القصور الذاتي، أستمع إلى ضربات قلبي بشيء موضوع في أذني، حسنا علمت أنني فى ورطة، فى الحقيقة لست متأكدا من أي شئ، لقد حزنت على النكتة أكثر من ردة فعله، وبينما كنت أهم فى استرجاع ما وقفت عنده، إذ كان من الممكن أن ننتهي هنا.
لكن ليس بهذه السرعة، من المؤكد أن هناك تبعات، أعرف طريقته، كيف ألصق مرة أخرى هذه المكانة التي نزعت عنه بالخطأ، مثل مقبض الباب الذي ظننته بهذه المتانة التي تحتمل الشرود؟ لم يعطني الفرصة وبلغ يسارع بطريقة مستفزة فى أخذ الإجابات، نعم إنه مسؤول هنا، وإلا لماذا يفعل ما يفعله بكل هذه الثقة، وأنى لي أن أعرف قبلا، كانت الأسئلة متلاحقة، فى أي قسم تعمل ومن هو مديرك؟ وقبل كل ذلك، لماذا قد أتكلم بطريقة غير لائقة؟
وما هي الطريقة؟ ناظرا إلى عينيه وبينما كان يتفرس وجهي راحت عينه تغير مواقعها بزوايا سريعة، ولا أستبعد من قصده أنني صغيرا بما يكفي، فمن أين تأتي هذه الأفكار حتى تظن أنك بعيدا عن قبضة يدي.
وكلما ألقى سؤالا عرفت أنه يحمل فى طياته الوقوع، أجبت على كل فى اقتضاب شديد، غير مكترث البتة، لكن طريقته فى الطرح كانت تعني أنه يمتص منك الإجابة بغض النظر عن الطريقة التي تجيب بها، والتي كانت ضرورية لتثبت ثقلا يعمل ضد من يحاول أن يسحب منك الكلام رغما عنك، لكن هكذا تجرى الأمور، عندما يتحدث إليك المدير الأكبر، يجب أن تترك كل ما فى يدك، وتبدأ فى الانصات إليه باهتمام بالغ، ملكت نفسي بصعوبة باردة وهو يصرخ فى وجهي، حيث تمنى لو أن معه عصا يخزني بها، فأنا لا أرغب على الإطلاق فى الرد، كنت منهمكاً فى الحوار الذي سوف يتسبب فى فصلي، وكنت أعرف أنها مسألة وقت، قبل أن يأتي رئيس القسم يخبرني، من المحتمل أن يستغرق الأمر يومين.
فجأة انتهى كل شئ ولست أعرف السبب فى هذا، وجدت نفسي إلى الخارج فى المكان الذي بدأ منه كل شئ، أكملت تفريغ الحوار فى صالة الاستقبال، حيث جاء رئيس القسم يخبرني أنه غير موافق على مقابلتي أصلا، ماذا فعلت له؟ قلت له لم أفعل شيئا، متابعا فى سري، لكن كيف تضافرت كل هذه العوامل لتشكل ما يهوى بي إلى الفراغ؟
خرج أمامي عدة مرات وراح يقطع الردهة ذهابا وإيابا، لم يكن يبدو ضخما جدا حين تنظر إليه في البداية، حتى ترى بنيته بأكملها وكذلك الطريقة التي يتحرك بها.
كتبت آخر جملة ولم أشعر بأي شئ، رحلت عن المكان بهدوء للخارج، وأنا أفكر فى كل شئ.
بعد يومين وقع أمامي تقريرا، تصادف أنني رأيت كلاما يشبهه ذاك اليوم، وخطر لي أنني رأيت هذا قبلا، على الورق المخطط الذي يشبه جدول الحصص المدرسية، بنفس الطريقة التي كنا نختلس بها النظر إلى فحواه، ولسوء الحظ، كان الورق يتكلم عن المسائل القانونية، التي تحفظ حقوق الموظفين فى العمل.
’’الأمور تتعادل إذن لقد أصبحت وحيدا مع الحوار‘‘
لنعود ما قبل ذلك قليلا، هلا فعلنا؟
" رحل الملك والأستاذ. البروفيسور أسطورة السيارات الكلاسيك فى مصر ورئيس الجمعية المصرية للسيارات الكلاسيكية و واحد من الأشخاص النادرة اللى عمره ما بخل بعلمه على أى شخص أبدا رحل اكبر شاهد على تاريخ هوايتنا رحل المهندس الراقى طارق الشريف ربنا يرحمك ويحسن اليك يا بروفيسور "
18/2/2020
إن القارئ على السوشيال ميديا طوال الوقت فى انجذاب نحو البقية، نحو مزيد من المنشورات والأحداث، ونادرا ما يعلق شيئا بباله يدفعه فى إثارة لمعرفة المزيد عنه. وكان هذا أكثر من عزاء.
العزاء الكلاسيكي، المتيم بالفضل والعرفان، والكلمات التي ترسم بدقة شكل العلاقة بين الأستاذ والتلميذ، فهمت فى البداية على أنه عزاء واجب، لكنه كان رقيقا ونادرا، مثل موضوعه.
لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للصورة، كانت الكلمات ترفض أن تكشف عن العالم العجيب الذي نخمنه وراءها، بالنسبة لي مثلا هناك عالم مجهول لا أود أن أعرفه بسهولة، إذ كانت الصورة تسمح باستشفاف حكاية، يزيد من حدتها أن لا اتساق يستخلص من تواليها، وكلما أغفلت شيئا، شعرت بأن سلطة لا مرئية تراقبني وتستهجن خداعي.
بالنسبة له، صاحب البوست، ولئن كان لي أن أحكم عليه، لأمكن لي القول افتراضاً أن الصورة تظل خرساء، كما لو كانت آسفة، لعجزها أن توصل إليه رسالة كانت تبدو حاسمة.
فى البداية، جذبتني صورة الرجل يقف مع سيارة، يبدو عليه الوقار والهيبة أكثر من كونه متقدما فى السن، وقعت عيني عليه أولا مع شكل الكلام فوقه وكان ذلك مثل برقية عزاء، يتضح بعد قراءتها أنها لن ترسل؛ ظننت أنه مجرد نعي، لرجل عاش مألوفا فى محيطه، يقف واثقا عند مقدمة سيارة تبدو معدلة، فى مكان يشبه الأمكنة العامة، فى أكثر صورها نمطية، اللون الأخضر الذي يطل من الأشجار، واللون الباهت الذي بالكاد ينم عن أي شئ آخر من بعيد، كان الوصف في عقلي أشبه بالوصف الهيكلي القائم فى برمجة الفيس بوك حيال الصور قبل التحميل، حالة انقطاع الإنترنت.
لكن ظل شيئا كأنه خارج من الصورة يحركها، كانت تعابير وجهه متضايقة، كأنه بات يتطلع إلى حياة جديدة لا تلوح له، ولا يعرف كيف يجدها خارج السيارة التي يقف عندها، أو أنه يتأمل فى شئ ما، يجبره مؤخرا على الانصياع لشروط قاسية، تظهر دلائلها خلال العمل وخارجه، ومن الممكن أن تكون الصورة عادية لا علاقة لها بكل هذه التفسيرات، لكن نظراته غير الراضية، تنبئ ولا شك بأنه يبحث عن ذريعة للتدخل.
صار وقد استسلمت تماما إلى فتنة الصورة، وكلما نظرت إليها، كلما استطعت الحصول على شئ ما، يعمل على تشكيلها فى الأساس، من إعادتها إلى النظام المشوش، الملقى فى عالمها المألوف، مقارنة بالعالم الأسطوري، والذي قد اختفى.
وقبل أن أجد نفسي فى مكان آخر، اهتديت إلى انطباع يربط بين الحالة التي كنت عليها بسبب التفكير فى الصورة، والحالة المشابهة داخل الصورة، ما بين ترك الموقف كله يستمر فترة أطول من اللازم، بهدف إحداث الأثر الذي تريده.
الآن هنا، أقلب فى كل شئ، اليوميات، الصور، ولديه أسلوب رائع فى التعبير عن الأشياء، كان هذا واحدا من بضعة أشياء يتقنها، كان يعرف ذلك، وكان يعرف عن المدينة، والأفلام، التاريخ، السيارات بأنواعها، وعن معظم الأشياء الأخرى التي يتعامل بها عالمه، وفى حاصل الأمر يبدو كشخصية أنيقة متميزة، مخلص، فى حكايته بصورة كاملة للشكل الكلاسيكي فى السرد.
وفى منشورات أخرى، كانت لغتها من الأرقام والحروف، نادرا ما يلقي أحد لها بالا، في الحقيقة، تتخطى رؤيتها سريعا قبل أن تفسد عليك الرتم؛ غير ذلك، لم تكن فى يوم من الأيام مما لي به معرفة وثيقة، لا من طريق الخبرة الشخصية ولا من خلال المطالعة، تأكدت فتوراً، أن هذه الأشياء، هي التي ثبطت همم الناس، عن اقتحام هذه العوالم بشكل سليم.
كان يستخدم هذه الأرقام بسهولة وحرفية شديدة، يحتج بها على كل شئ، الجهل، الجشع الذي يؤثر مباشرة على إخفاء المعلومات، وأنى لأحد فى إهانة ذكاء الناس بهذه الطريقة؟ كأنه من الصعب كشف ما يدور، بطريقة خبيثة، من باب، لا تكلف نفسك عناء الاهتمام، لأنك لا تتوقع أن يتوغل أحدهم كل هذه المسافة!
تابعته وبات يظهر لي، فى أكثر من مطلع ومناسبة، من خلال هذه المبادرات المخاطرة الهائلة، التي تخيلها وباشرها بذكاء رقيق، فى محيط شديد البؤس والوضاعة، هو فقط يؤدي مهمته بجدية عالية و حياد بارد، فى حق تلك المنشورات المضللة، لكن هذا لم يعجب الكثير، وسيجلب له المشاكل، لم يكن فى وسعهم تصديق ما جرى لهم. اختفى بعد ذلك بفترة، ولم يعد يتكلم فى شئ.
’’هذا ما تفعله المعرفة بك، لكل شئ ثمن مدفوع‘‘
ولقد اختار، تقريبا أن يدير الحوار كاملا فى الجراج، والأشياء أمامه، بينما يرتاح على الكرسي الدوار، كأنه فى فلك يستعرض الماضي أمامه.
حسبت أنه يحب العمل هناك وحسب، بل أي شئ يود إنجازه على النحو الصحيح، حتى يكون على أريحية وصدق فى التواصل.
أخبرني عنه كيف كان؟ وكيف كانت معرفتك به؟
معرفة شخصية، المرحوم كان أستاذ لينا كلنا.
هكذا فقط، لقد كسرت كل توقعاتي فى الإتيان بالمزيد، ولن يجدي نفعا أن تأتي معه هذه الأسئلة بأي نتيجة؟ كيف أقول له أن الصورة هي ما دفعتني فى الأساس، إلى الحوار، قبل أن أعرف أي شئ آخر؟
جربت أكثر من طريقة قبل البدء فى التحضير، بالمرحلة التي عرف فيها المهندس، مرورا بكل المراحل التي مر بها بعد ذلك، دون فواصل أو نقلات طبيعية، وكيف أضاف له طارق بك كما سيقول؟
علاقتى بطارق بك كانت على مستوى الهواية، حيث كانت، تجمعنا به هواية نادرة، وهى هواية العربيات الكلاسيك.
كان من أوائل الناس التي تلقيت منها التشجيع، وجدت بالضبط ما لا يفكر فيه المراهقون ويحتاجون إليه، بذلك أن تشتبك مع شخص أو تنخرط فى سلوك ومن ثم تظهر هويتك، تعلمت منه أيضا ما الذي يعنيه الأمر أن يكون لديك الشغف تجاه شئ؟ كيفية معرفة شئ ما، وإلى أي ومدى نعرف الأشياء؟ وكيفية التفكير فى الأشياء بحيث يمكننا الحكم عليها، وكيف يمكننا تمييز الحقيقة عن المظهر الخادع؟
ولا تظن أن لأمر لا علاقة له بتحطيم التصورات فى الخامسة عشر، هناك عالم يهدم بقوة فى رأسك، لأن يفسح المجال بزرع أخرى، هناك كل الطرق أيضا، لكنني لم ألاحظ أو أشعر أن هناك من مرر لي الفكرة، وجدت نفسي أنمي هذه الموهبة، لأنني أردت ذلك، وكان، تسلل إلي الاعتناء بما أحب، فإنه شئ ليس موجودا هناك فحسب.
ولا يخفى على أحد أن المهندس طارق كان شاهدا على تاريخ هذه الهواية، فى حقبة سابقة لماضٍ كان يقبع فى سحره الخفي، وكان ذا عون ومرجع كبير لي فى كتابي كما فى معلوماتي، هو والمرحوم نادر رياض واصف.
أوائل الناس فى حياتك؟! مصباح سحري له دلالات عديدة، يمكن أن يشير إلى المعاني والفروق الزمنية، التي يصعب فهمها إلا فى الوسيط المؤهل، لنقل المعنى الذي نتحدث عنه، لكن هنا كل الاتجاهات ممكنة و متساوية، بكل ما ينطوي عليه هذا الحوار، التشجيع أيضا، إجابات عديدة ممكنة، لكن أكثرها احتمالا قد يكون الآتي: أن تكون موفقا فى كل شئ،
لأن هناك من أعطاك الأساس الذي يجعلك تحس، بأنك مسنود فى كل لحظة.
كانت الأسئلة كثيرة فى رأسي لكن اتجهت إلى متابعة الأسئلة التي تأتي من الإجابات نفسها، قلت له أرى أنك مستمر فى هذا المجال، ما هو العمل؟ وما الذي أضافه المهندس طارق؟
بالطبع، هذه هوايتي وهذا شغفي، فأنا لا أجيد شيئا آخر بقدر إبداعي فى هذا، وقد أعطاني الله الموهبة التي تدفعني بالتميز عن أبناء جيلي، كما يمنح آخرين مواهب أخرى، فى الفن والكرة، وما إلى ذلك.
وأما عن الإضافة فإنها تأتي على مستويات حساسة، يقضي المرء عمره بالكامل لكي يتعلمها طبيعيا أو يكتسبها من منظور نفعي وإنساني، ولا يعني ذلك أنك محصن ولا تحتاج إلى شئ، لكن يعني أنه اختصر علينا الكثير من الأشياء.
وعندما تحاول أن تتكلم عن تلك الأشياء، وربما تبدو كأنها سهلة، إلا أنها تحتاج إلى عناية نعمت بالكثير من الوقت والجهد والتدريب، وتأتي من مصادر قريبة أو بعيدة، بحسب ظروفها، ونادرا ما يتحمل مسؤوليتها أحد.
فأي إضافة نتكلم عنها؟
إضافة طارق بك، كانت فى تلك الأعماق السحيقة، التي كانت إلينا طول الوقت، الأسلوب الرفيع، علك تكون شخصا راقيا و دبلوماسيا فى الرد، وهذا ما تعلمناه جميعا منه، بإثراء النقاش، من خلال الأسئلة التي كان يطرحها فى الجلسات.
كما أنه زودنا بالكثير من المعلومات عن تاريخ العربيات الكلاسيك فى مصر، كما علمنا إمكانات البحث المتقدمة وأن نبحث عن المعلومة من مصدرها ومن أصل كل بلد، وكيف بذلك نساعد أنفسنا فى تحصيل المعرفة الحقيقة التي تثمر من ثقافتنا، وتجعلنا مميزين مثل الأجانب، بشكل حقيقي.
’’وكما قلت لك، طارق بك الله يرحمه أكبر شاهد على عربيات كتير كانت فى مصر وخرجت، والله يرحمه كان أب روحى لكل الهواة فى مصر‘‘
لهذه الأسباب، التي قد يتعذر حصرها أصبحنا كلنا ورثة طارق بك ونظرته إلى تاريخ هذه السيارات.
كانت النية الأصلية كتابة حوار يلقي الضوء فى حياة المهندس طارق، انتقلت بعد ذلك إلى طبيعة الهواية، ومن خلال الفروق التي نبهني إليها، كان الحوار يقود نفسه فى الغالب، سألته أولا بما سمعت عنه، بصيغة التجميع والتجارة، وهل هناك معرض للأستاذ طارق؟
أجاب بالنفي القاطع الذي يفيد التفرقة، من البداية، بين شيئين ليس تماما أن يكونا على النقيض، عندما سألته عن التجارة بهذه السيارات، قال أن طارق بك لم يكن أبدا تاجرا، وإنما هاوي، يقوم بتجميع السيارات الكلاسيك النادرة، ليكون مشروعه الخاص ترميمها وإصلاحها على المدى الطويل.
بفضل الأساتذة الكبار تعلمنا للمرة الأولى الفجوة بين الهواية والتجارة، والانفصال الذي لا يلتئم، بين القيمة التي لا تنقطع، عندما تكون تلك السيارات، عائدة إلى الاندثار، الذي قد نشأت عنه بمعجزة، والتجارة لأغراض أخرى هي كل شئ عدا ذلك.
هذه السيارات، التي تكاد أن تختلس خفية، تستعيد الصلة مرة أخرى بالعالم بواسطة الصفير، وتمارس نشاطها من جديد، دون أن تدرك أنها تمكنت الإفلات، من كارثة رهيبة.
هذه أشياء كان لا بد من توضيحها، فالشخص الهاوي يمكننا اعتباره ببساطة، هو الذي يمتلك بغرض الاقتناء والترميم، سيارات ذات قيمة، وتاريخ قد اتسع أبعاده إلى مصير البشرية ربما، لأنه بات يعرف جيدا أن لكل سيارة موقعها، ويلزمه للحفاظ عليها، أن يمتلك الفناء أو الجراج الخاص به، سيكون أول من يصفر فيضطر الآخرون تقليده.
نحي تلك الأشياء جانبا، تجد التاجر يسعى فى الأساس إلى تجميع السيارات التي يتغير موضوعها بتغيير الساعات، بما يضمن له المكسب السريع، بغض النظر عن الحالة أو القيمة. متجاهلا واقع جذورها المتشابكة، التي أبقت على تلك السيارات، دون سواها حتى يومنا هذا.
هذا الشخص لم يكن يرى أبدا، قد يصادف فى الجوار، لكن لا أحد يستطيع تمييزه وسط الجمهور، هناك الفرق كما تلاحظ بين هذا وذاك.
ومن هنا، السيارات الكلاسيك يكون لها مقياس دائما، حيث يبيع الهاوي لـ هاوي مثله، ولا تتوقع غير ذلك، كأن يقوم بعرضها على أحد لا يعرف شيئا غير أنها عربية قديمة، فمن الصعب على غير الخبراء، أن يدركوا فهما معقولا لما عرفه الهواة.
إذا، لم يكن هناك معرض؟
امتلك طارق بك جراج خاص به، فى مصر الجديدة، وقبل وفاته بسنة قام بالبيع والتصفية.
وهل تباع هذه السيارات فى المزاد؟
وفى مصر، لكي تكون فى الصورة، السيارات التي تدخل المزاد، هي الكلاسيك الخردة، التي لا تساوي كل هذه الأرقام المدعاة، من أصحابها، هل كل الكلاسيك يساوي المليون؟ فى الواقع هى سعر 50 ألف، سمعت هذه الأرقام، وأعرف أن المحاولات، ولا أقصد شيئا، لن تقفز أثمانها، إلا إذا كنت تبيع الأوهام، ولن تجرؤ على هذا، إلا إذا عرفت مسبقا مع من تتعامل، لذا تسقط حساباتك فورا، أمام الفهم.
’’أترى هناك؟ هذه سيارة رشدى أباظة، هيا انقض عليها، واترك المليون! العمل لا يسير هكذا يا عزيزي‘‘
متى بدأ المشوار الحقيقي فى هذا المجال؟ ومن الذي ساعدك حتى عمل أول جراج لك؟
بالإضافة إلى أنني فهمت على نحو يداعب خيالي، على أنه، ما يسمى التجميع، عبارة عن شئ آخر، ولم تكن لدي أي فكرة عن الكيفية التي كنت تقصدها، تصورت مثلا أنك تعمل على تخليق سيارات فى المعمل!
يمكننا أن نسمي هذه المرحلة كما هي، وأول ما يرتبط بها، أبي ومجموعته.
كنت فى الرابعة من عمري، ابنا عجيبا، أذهلت أبي، وبدأ يلاحقني فى هذا الاتجاه، والحال أنني كنت أيضا، فى اتحاد عضوي مع هذه الهواية منذ البداية، بعد الاستيقاظ، قبل الفطور وبعده، ما يجعلها قادرة على الاستغناء عن الخليقة، وربما كانت تلك الحقيقة البسيطة هي التي حددت موضعي المستقبلي. بدأت أسأل وبدأ يجيب، وهو الخبير فى هذه الأمور.
رأيت ذلك فى مرحلة التحقق من البروفايل، كان هناك فى بعض الصور، متوجا بالمزيد من الميداليات والكؤوس، أو أنه كان كأسا كبيرا يعكس فى عيني، على هذا، بدأت أرى أشياء أخرى لم تكن موجودة، وتقريبا اختفيت فى عالم من صنعي، لا أتذكر، فى الحقيقية تبين لي، أنه شخص أمضى حياته مهووسا بالسيارات، حيث كان يقودها، ويصلحها، ويشاهدها تخوض السباقات فى مضامير السباق.
ما يهم أنني قمت بالبحث، من خلال فيديو آخر قصير، وقع فى طريقي عشوائيا، بينما أتصفح، وعرفت، أنه كان بالفعل بطلا سابقا فى رياضة (الاوتركس)، تبسمت فورا، لماذا يتمتع هذا الشاب بكل هذا، محاطا بالبريق والرفاهية؟
لم يجد أبي، إلا أن يغرس فى ذلك الطفل حب التعلم، مغذيا فضوله الفطري، متى أمكنه ذلك، وهو مندفع لاستكشاف تلك الجوانب المثيرة.
بعد ذلك، سيكون لي وعد بالدخول إلى العالم الرائع، لمثال الكتب المصورة، وهي ورقة ظهر الملحق بكل ماركات السيارات، هذا الدليل ليس خارطة طريق أو كتيبا إرشاديا، كل ما هنالك أنني كنت أستمتع بقضاء الوقت فى رؤيتها، تمثل لي مشاهد حية، كما لو كنت أقدر على تقدير الصورة، محولا إياها إلى فيلم متحرك، وكنت أحس بأنها ستبوح لي بأسرار رهيبة، أو تمنحني استحقاقا لم أكن جديرا له، لكنني حفظتها عن ظهر قلب، بت أنظر لوالدي كل أسبوع، وقد أصبحت تعرف أشكال العلامات.
أليس هذا جميلا؟ وفي وقت، ما اعتقدت أنني أتمنى المزيد.
فى البداية لم أكن أفهم الكثير من الصور التي تركتها تتوالى فى فوضى أمام عيني، لكنني لفرط ما شاهدت، كنت قد اكتسبت معجما خاصا، اغتنى بعد ذلك بقراءة الماكيت للسيارت الصغيرة، والذي تعودت على مواظبة جمعه والاستعانة به، فى الحقيقة لا أملك إلا أن أعده فى هذه المرحلة من جملة الكتب التكوينية، كيف تمد قارئها بالخبرات المستقبلية ونماذج، وأوجه للمقارنة، ومعايير للقيمة، ومثل أيضا للجمال.
مع كون الشغف بأعلى درجاته الآن، وبينما كنت أرغب بكل كياني أن أغوص أكثر فى ذلك العالم، ظللت أنتقل من مشروع لآخر دون تيقن بعد من خطواتي المقبلة، رويدا رويدا بدأت فى تجميع وقراءة كل ما يخص عن السيارات، بعد ذلك أسعدني الحظ عن طريق حدث غير مصيري، عندما ذهبت مع أبي إلى معرض اوتوماك، سنة 2008، من بعدها ونحن نقصد المعارض، ثم أثناء العودة تحسب كل صباح عدد الأيام، التي لا يزال عليك قضائها حتى موعد آخر.
’’كنت فى العاشرة من عمري عندما استحوذت على مساحة خاصة فى العربيات الكلاسيك‘‘
وفى وقت آخر من حياتي، تعرفت على العم نادر الله يرحمه عند ١٥ سنة، والعم طارق الشيخ، شجعني الإثنان على التعمق أكثر فى الكلاسيك، ونادر الله يرحمه كان كنزا لامعا بالمعلومات، لقد ورثت عنه كل هذا .. بنك معلومات عن العربيات الكلاسيك.
وعندما كان العم نادر لا يزال صغيرا، كان العم طارق الشيخ، هناك، فترة الأربعينات حتى الستينات، أخذت منه أيضا الكثير من المعلومات فيما يتعلق بتلك الفترة، ومن هنا، إذا بي نفسي، والكون من حولي يتخذ شكل قالب الكلاسيك، من خلال عملية تماه كامل.
بعد الثانوية، حصلت على سيارتي الأولى، كما كان العالم رماديا عديم الألوان، فى عيني ذاك الوقت، يضاعف من إحساسي بالذنب، أنني توقعت مواجهة هذا، وأنه لن يصمد أمام سعادتي، ما حدث غير فى التوازن، على احتواء فكرتين متناقضتين فى الوقت نفسه.
السيارة كانت شيفروليه بلير ٦٧، الوحيدة فى مصر من نوعها، نعم، سيارة جميلة جدا، نادرة، وقيمتها غالية، حتى بالنسبة إلى الخارج، ولا زلت محتفظا بها معي إلى اليوم.
نجحت بعد ذلك فى اقتناء، سيارات لامعة من طراز فريد، بما كنت أقوى على تقديره ثم جمعه، لكن سيارتي الأجمل، كانت مرسيدس كوبيه موديل ١٩٧٤، وهذه واحدة من ٦ عربيات سجلت الدخول محليا، فى مصر، كما أنها أيضا واحدة من ١٤٧٣ عربية أنتجتها الشركة فى ٧٤. مرسيدس ٢٥٠ سي كود، الـ body للشاسيه c114.
لكن أهم ما يميزها فى رأيي، المواصفات، لأنها كانت مرسيدس بمواصفات أمريكية، والنتيجة تحصل على منعطف مميز، من حيث التصميم والمساحات، الاطوال تكون مختلفة بالنسبة إلى المصابيح، الإضاءة مختلفة كذلك، حتى سرعتها تقدر بحساب الميل فى العداد، وليس الكيلو متر.
لكن ماذا تعني المواصفات؟
بعد ذلك كما أخذ المهندس حسام، يشرح لي، كنا نسير على رتم هادئ، حافظنا عليه بداية ونهاية، فى تلك اللحظة، الدركسيون، كان عليه أن يمسكه من يد إلى أخرى، وهو يلف ليتابع بسلاسة مع الدوران، كأنه يفلت خيطا ثقيلا، من بين أصابعه على مراحل، وإلا ذبحه.
السيارة كانت كلاسيك معدلة، هذا كل ما أعرفه، أخفق التسجيل فى بعض أجزائه، وطال هذه الجزئية، ولا أتذكر شيئا مما قاله، عدا أنها شيفروليه.
ومن هذه النقطة، انطلق تباعا فى تبسيط هذه الظاهرة، وأنها لموضوع يثير الاشباع، فالمرء منا، أدرى بالشخصية التي يحب أن يكون عليها، ويرى بها نفسه عن طريق الأشياء المحيطة، وتعكس له ذلك الاختيار، والسيارة واحدة من ضمن بطاقات التعريف، أنا مثلا، أحبذ الركوب بمواصفات معينة، تتمثل فى كذا وكذا، كيف يكون لمدى تغلغل الجحر، ارتباطا وثيقا بأحلامي؟
’’إنها لي هذه سيارتي‘‘
للإجابة على هذا السؤال، دعنا نعود للوراء، الخمسينات، والستينات، والسبعينات، فترة الإنفتاح فى الصناعة. كان العالم يعج ضجيجا، جمع بين أشياء كثيرة وغريبة فى آن واحد.
بين الشركات العالمية، فى أمريكا، وألمانيا، وانجلترا، كانت المنافسة على أشدها، وبالتالي كان هناك إحماء.
لكن هذه عودة سريعة، لنحاول مرة أخرى بشكل سليم. هناك سيارات كلاسيك، تمر بحقبة زمنية معينة، وهي السيارات التي صنعت وقت الحرب من سنة ٣٠ حتى ٤٩.
بعد ذلك، حين بدأ التصميم القديم والأداء الباهت، ينعكسان سلبا على المبيعات، تحرك المدراء سريعا.
كانت السيارت المكشوفة، مرغوبة بشدة، لدى جيل الشباب الذي تلا الحرب. هذه مرحلة صناعية أخرى، سميت بإسم فينتج كار، تسابقت فيها الشركات العالمية، مثل، بي ام، جيا موتورز، فورد، المرسيدس، إلى آخره، وهي النوعية التي أنتجت حصص مختلفة من الجذب، فكل شركة عملت على محاولات خلق، أشكال وحركات مميزة، تنفرد بها على نحو جمالي.
وتنجح الخطة، الشركات تستهدف طلبات السوق، وتدرس جميع تفاصيل البيئة المحيطة بدقة بالغة، داخل وخارج المجتمع الواحد، البنية الأساسية المصممة للطرق الخاصة بها، المهن أيضا، تكون عند كل شخص سلوكيات و طباع خاصة بها، أسلوب الانجاب الخاص بمناطق معينة، ماذا عنه؟ ترى ما هو الشكل الإبداعي الجديد من النشاط، فى الحركات الحالية؟
السوق الأمريكي، ماذا يحب الناس هناك؟ الأوروبي يحب أنماط الحياة الأخرى، ما العمل ولكل بلد فكرة؟ فبدأ المصنع يتكامل مع هذه الأفكار.
وجدت الشركات مع الوقت، أنها تبني رغبات مختلفة وعوالم أخرى، قارن اليوم، وانظر، بعين راضية تريد أن تقلص الفجوات، إلى فرق شاسع فى الخامة، وجودة التصنيع، فرق شاسع فى اللوك، وفى كل شئ تقريبا.
يأتي بعد ذلك المودرن كلاسيك، لما نراه فى الشارع اليوم، السيارة مثلا التي يقبل عليها الشباب، ذات الموتور القوي، محدودة الطول، وأنيقة.
ونحن هنا فى كابتن كلاسيك؛ يترك الإسم لديك انطباع بالتخصص فى هذا وحده، لكن من البديهي أيضا أننا نعمل فى مجال السيارات، بمقاييس السوق، وهذا يتضمن الأنواع الحديثة، بما يتماشى مع شريحة كبيرة فى السوق، لا يمكن ببساطة غض النظر عنها هكذا، نقود الكلاسيك ونحن متخصصون فى الكلاسيك، لكن من الطارق؟
قال لي هذا، حين أبديت فى سؤالي الأول، علامة وقت مستقطع، قائلا له لقد رأيت فى الداخل صيانة تجرى على سيارات مودرن؟ كيف يكون الأمر؟
السيارات تبدو فى وضع استعداد، شغل محركاتك، اربط حزام الأمان، واستعد لرحلة مثيرة!
لكن هذه السنة كانت مختلفة ومميزة، فى العام 2008، ذهبت مع أبي إلى معرض اوتوماك بيوم، وصلنا، حيث كانوا يقومون بالتجهيز، بركن السيارات، تعرف، ثمة شيء مميز فيها حين تخرج وتتجه إلى مواقعها في المضمار، وقفت السيارات فى النهاية متراصة بطريقة مذهلة، ومع ذلك كان العالم الذي تسير فيه أشبه بغرفة بيضاء هائلة المساحة، ليست فيه حرارة أو رائحة أو ملمس، بالكاد يعبر صوت خافت لأقصى درجة يكاد لا يكون مسموعا، حتى إنك لتصدق أنك تخيلته.
كانت السيارات كثيرة، ويا لها من سيارات، وقفت مذهولا أمامها، مع إحساس بوجود سيارات فى الخلفية أكثر جمالا وجاذبية من هنا، لوهلة تساءلت إن كان العمى قد أصابني، ولو أن لا أرض تحت أقدامي، تحركت مترنحاً بضع خطوات، ثم تحتاجني رغبة فى الركض، وشعرت أنني أحتاج العثور على كل الطرق الممكنة للخروج من هنا، ولذا أواصل السير.
تابعت المشي، وشعرت مع كل خطوة كأنني أسير إلى العدم، استغرقت بضع لحظات حتى ركزت عيني جيدا، وقفت مندهشا أمام سيارة رولز موديل 1948، جعلني أبي أدخل إلى مقصورة الركاب الداخلية، واكتشفت أن تصميمها الداخلي وقيادتها المريحة لم تكن كأي شئ شاهدته من طريقة لجمع الأشياء معا، حيث أنها مزودة بقواعد جلدية لطيفة مصممة وفق الطراز الانجليزي، مع اختلاف اتجاه القيادة جهة اليمين وناقل السرعة، يمكنك التخمين فورا، بوجوده أيضا على يمين السائق، أنه صمم بهذه الطريقة، لما يراد به إحساس بشئ، من راحة الراكب معك.
سيارة فخمة ولا شك. بعد ذلك سيقول لي ما يشبه أن يكون عودة، تبعث إليه بالتماس أخير، فكان يأخذ من الوقت ما يكفيه لذلك، دون هدف محدد. كان يتسكع فى الزمالك، وكانت هناك السيارة، رايدي ار ام، لست متأكدا من أنني قمت بنقل الإسم، كما نطقه فى المسجل، ويحكي أنه كان مغرما بها أيضا، لا شئ يوازي تلك الفرحة، عندما كنت تنتهز الفرص، أو تصنعها، عند ذهابك إلى هناك، تحدق فيها بعين لاهبة.
وأحيانا كنت أحب الفرار من المدرسة، لأجل ذلك، أجدني واقفا بجوارها فقط، ولا أفعل شيئا آخر.
أحب هذا الجزء، كما لو أود رؤيتي افعلها ثانية، كأنك تريد أن تخلع الكنزة التي ترتديها، ثم تقوم بوضعها، مطوية وراء رأسك، على سبيل الوسادة، تستريح وتشاهد بتمعن.
سنة بعد أخرى، تبدأ العملية فى التوسع، فقمت بتصوير السيارات، وجهزت الأرشيف الخاص بي، وهكذا، حتى بدأت الإنطلاقة الحقيقية ذاك العام.
عرفت أنك تعمل على كتاب، هلا تكلمنا عنه؟ ومن أي نوع سرد هو؟ المعلومات بجانب التوثيق أم أن هناك قصص متضمنة؟
’’صور توضيحية بالألوان حالت بيني وبين الموافقة فى كل مرة‘‘
الكتاب كان من فكرة العم نادر رحمه الله، واكتفي الآن بالقول أنني أتمنى فقط لو أن نتائج تجربتي تمت فى حياته، وفق ما أراده لي، لكن إرادة الله كانت فوق كل مخطط، واصلت التقدم حيث لم يكن لدي خيارا آخر، وعلى الرغم من ذلك تبقى نقطة يقف المرء عندها كثيرا لينظر إما إلى الوراء أو الأمام، ثم أدركت أنني لوحدي فى هذا، وإلى جواري تتكوم المعلومات لتكشف عن شئ يقترب نوعا من حجم وشكل كتاب، وإن كانت المعلومات تتكثف فيه بطريقة غامضة لا شكل لها، كأنك قلبت كل محتوياته على البساط، رأيت بعد ذلك أن السيارات ينبغي إقامتها على الترتيب مرصعة، حيث اعتمدت على الطريقة الأبجدية فى التبويب، التي ميزتها الأرقام، بعدد السيارت التي كانت فى مصر، لحصر جميع الأسماء المسجلة، مع إبقاء أقسام خاوية، تحسبا للمفاجآت والاكتشافات العرضية.
أعددت نفسي فى مهمة، لإنقاذ سيارات كلاسيك على الورق من أجل الهوية، الكتابة فى هذا الحقل كما تعرف، تحتاج إلى معرفة بالحضارات المحيطة، وتحتاج إلى معرفة بالمصطلحات، وإلى قراءة الكثير عن أنواع هذه السيارات وأساليب صناعتها وأسمائها، لذا كتبت الكثير من المعلومات عن الموديل، باستفاضة من سرد وتوثيق، من وقت منذ أن سجلت كل سيارة الدخول إلى مصر، وتاريخها المعروف بالنسبة لنا، أعني شبه تحركاتها وهي تنتقل من مالك إلى مالك، تتبعت هذه الرحلة، وهي تقذف بهم إلى فضاء آخر وزمان آخر، أشياء يمسها التراب والرطوبة وأشياء أخرى يمسها النسيان.
فى أوسط هذا، تجد أنك تحتاج إلى دليل صغير يساعدك فى بقية رحلة البحث عن الكنز، وكان ذلك مفيدا فى سرد القصص، من أصحاب العربيات الحقيقين الذين يمتلكون الكلاسيك، وأشياء أخرى كثيرة، على ضوء العربيات التي خرجت عن طريق التهريب من مصر، وأشهر العربيات، فكم تطلب من وقت أو طريقة قبل الاختفاء من المشهد، حتى وصلت إلى أماكنها الحالية.
كتاب كبير وملئ بالمعلومات، نتكلم فى حدود ٣٨٠ صفحة من أصل ٥٢٠ قبل الملخص، حاجة كبيرة يعني.
انتهيت من العمل على الكتاب، وما زلت أحاول الوصول إلى دار نشر مناسبة، لأن الكتاب يوجد به الكثير من الصور الملونة التي يجب عليها الظهور بطريقة معينة لا تغمرها الطباعة، وإلى الآن، أجد أنني جربت فى ثلاث أماكن مختلفة، ولم نتفق، هذه فكرة الكتاب باختصار شديد.
لماذا من الصعب فى رأيك أن تختفي هذه السيارات، لا أقصد الأسباب التي تتغير لوجودها مثل الرغبة وجاذبية المنظر، وكل هذه الأشياء، بجانب دور السينما وحاجتها باستمرار لموديل معين، هل هناك أسباب أخرى تستند عليها الأوضاع؟
القيمة شئ يصعب الحفاظ عليه، كأنه شئ بلا عظام يلتوي، حتى عادت عينه تواجهك ثانية.
فى رأيي هناك أسباب أخرى، ومن ضمنها، أن امتهن الكثير الهواية، فى آخر عشر سنوات مثلا، وذلك بسبب انتشار الجروبات الخاصة، والأحداث التي ينظمها الهواة، داخل هذا القطاع، والآن يبدو أن حجمه يزداد ويقظته تزيد، فتح كل هذا من آفاق الناس لأهمية الكلاسيك وقيمته، وكونها مثل ما نقول آثار، أو ثروة قومية، فى هذه المرتبة.
فى هذه الفترة، كانت الهواية، تتعرض بشكل كبير، لعملية تنقيح وتركيز مستمر، وأغلب الأفكار حاليا، لا تشبه فى شئ الصياغات الأولى، وعلى العكس، هناك فى فترة الثمانينات والتسعينات، لم يكن الوضع بنفس القوة الحالية، مما عكس فقاعة سلبت هذه البلد هويتها، والأرجح أننا لم نفهم تبعات ما نحاول إخبار الناس به فى الوقت الحالي.
فى الخارج كان الناس يعرفون قيمة الكلاسيك أكثر من هنا، ولذا يمكنها أن تصمد مع اختبار الزمن، لكنها فى الوقت نفسه، كما ترى، تعتمد على ساكني الزمن.
’’خرجت هذه السيارات من مصر بسعر التراب وتقدر فى زمننا هذا بالملايين .. ملايين الدولارات‘‘
المهندس حسام .. كيف تحدد القيمة؟
والله .. لم تكن لأي من تلك السيارات قيمة، فكيف يعجبك شئ إن لم تعرف ما هو؟
أعرف مقامات فى هذا المجال، من خلفيات ومناطق مختلفة، وفى إسكندرية بالتحديد، استحوذ لعدد من السنين، فئة قليلة على السيارات، تلك التي تتخلص منها فى مقابل أي شئ، هذه الفئة أصبحت معروفة، ولقد سمع أهل مدينتهم الكثير من القصص، حتى أصبحت البيوت تتميز بهذه العلامة، التي تلوح فى الأفق، رؤيتها من المطلع.
حدث ذلك من السبعينات وحتى العقد الذي يليه، تداولت السيرة، والاتجاهات مفتوحة، فماذا يمنع؟ وكانت قليلة هي السيارت التي استحقت سعرها، النادر منها فقط، بأعداد محدودة عالميا، غير ذلك، لم يعطى لهذه السيارت أي أهمية، إلا بداية من العقد السابق.
وانحل من هنا كل شئ تقريبا، انتهز الـ (collectors) وهم صائدي الجواز، كل فرصة كانت تنبأ بوقوع أي شئ، وإن لم تكن لتلك السيارات هنا، لن يكن الحال بمثله فى الخارج؟
الباقي من القصة معروف، ولقد تكلمنا عن هذا سابقا، الهوس بالخارج كان يعمل مغناطيسي، مستقبل الطرد، لهذه الأشياء الآخذة فى اضمحلال، فى نزوح الهجرات الكبيرة.
وبينما كان التليفزيون الأمريكي، مثل ما هو معروف التناول فى أمريكا وأوروبا، سياق الإعلانات، الغريبة والمباشرة وكل شئ من الممكن أن يرسخ أهمية، يعمل على دعايا ضخمة ومؤثرة، كانت الدعايا هنا قليلة وغير ذات أهمية، على نطاق ضيق، أصبح بالانتشار يروج لذاته مثل «الكاديلايك» و «المرسيدس٢٠٠».
فى بداية الألفية بدأ يتملك الناس نوع من الفضول نحو هذا الشئ، وقد أثارت الأفلام الحماسة، كما داهم الآخرين شعور بالغباء، فأين كانت عقولهم عندما تركوا هذه التحف، تذهب من تحت أيديهم سدى، وعلى من يرغب الآن، التوجه إلى المطار!
بذلك، بدأ البعض مرة أخرى فى الاجتهاد وراء ما فرط فيه بسهولة، أصبحت الأمور على مهل تنحو فى هذا التغير، عندما توجه الإهتمام فى الميديا والأفلام ناحية الكلاسيك، لتكون ردود، أفعال تستدعي أشياء أخرى فى الذاكرة، حصل ذلك بمساعدة الاتحادات المعنية المختلفة، على نشوء وتطور، الرابطة، ومعرفة الأصحاب، وكما قلنا أن هذه ظاهرة مكانية زمنية تحتاج لمجتمع تتفاعل معه، وها هو، فمن الطبيعي أن يتلاقى التقدير والمحافظة باطن الفقاعة التي سعت لكل ذلك، وبالتالي تتم عمليات البيع والشراء، داخل الـ community نفسه، فلن تجد مثلا، كما فعلت أنا، صاحب إعلان بيع على تطبيق أوليكس، يقتلك بفعلته دون أن يعرف، ربما كان ذلك فى العام ٢٠٠٦، كانت سيارة أمريكية نادرة جدا حد الوصف، ولا أصدق حتى الآن السعر الذي كان مصاحبا للعرض، وأنا متيقن من أنها لو بيعت شحاتة، لكانت تساوي على الأقل ٢٥٠ ألف، بماذا قدرها هو؟ لقد اعتقد فى الغالب أنه يبيع سيارة قديمة، وأيا كان السعر فهو الفائز الحقيقي، هذه أشياء كما قلت لك، غريبة الحدوث ولن تصادف وقوعها فى أي مكان آخر، كان على أحد أن يرى معي ذلك، لامتصاص الصدمة، السيارة فى الأعلى، والمبلغ المطلوب فيها بالوصف أسفلها، ٧٠ ألف. كأنها باتت معلقة فى الماركت.
وهناك سيارات بالطبع، أصبح معروفا أنها لم تعد موجودة، كما هو معروف أيضا، الباقي من العدد الأخير، بالنسبة لأي موديل. والهواة فى هذا أنواع، هناك من يتمسك بما لديه حتى الموت، وهناك أفراد تعمل عند أسعار مغرية، وهناك أفراد لن يقومون بالبيع مطلقا، إلا إذا عرفوا ما التالي؟ هل تسمع عن المفاضلة؟ سيارته لن تغادر الجراج، قبل أن تستحق الصفقة القادمة، وإلى أن يعرف ما يكفي عن الشئ القادم الآن، الذي يحل مكانها؟
فأن ترنو إلى خبير يفهم لغتك، ويساعدك فى الحفاظ على الهوية، مفهوما ينطوي على معرفة باطنية، ممتعة عن الغرباء عنها، كما يكون الحزن على فقدان شئ أحببناه أو أعجبنا به، يبدو لغير المختص أمرا طبيعيا، بديهي.
أما بالنسبة للسينما، تهيمن عليها وحدة تجميع السيارات بقيادة اللورد أيمن سيما، مع والده، الحاج سيد سيما، من أكثر الـ colecters فى مصر.
كل تلك السيارت التي تراها فى الأفلام والمسلسلات إلى آخره، يعد أيمن سيما اللورد، متربع على عرشها.
وإذا كانت المعطيات تدل على احتكار بهذا الشكل، فإن السر قد يعزو إلى امتلاكهم الكثير جدا، من السيارات النادرة التي لن تجدها فى أي مكان آخر، إلى درجة أنك لو فشلت فى العثور، عن موديل معين، يمكنك البحث هناك متأكدا بنسبة كبيرة، ومن الممكن أيضا فى حالات كثيرة أن تجد عدد من السيارات، القطعة الوحيدة منها فى الشرق الأوسط من الموديل، هناك مكانها الوحيد.
خذ عندك مثلا هذه السيارة، واسمها «أوبرين ٨٥١» موديل سنة ٣٦. لك أن تعرف، أنقذت هذه السيارة، أمريكا فى ثلاثينيات القرن الماضي، أثناء الأزمة الاقتصادية.
فى يوم من الأيام، قد لا يبقى شيئا من هذا، باستثناء ما دون عن معرفتنا، من خلال المواد الأرشيف، مثل الكتاب الذي أخبرتني عنه؟
ونحن لا نستطيع الإنكار، فى الاعتماد هذه الفترة، على الوسائط والصور القديمة فى إطار التوثيق قدر الإمكان، لأن كما أخبرتك، هناك عديد من السيارات، مع أدلة غير كافية على خروجها، فما الذي يعوضه ذلك؟
لكن إذا أدرت رأسك على الجانب الآخر، لسوف تجد إشراقة، فى هذا الجانب الذي يطل على عصر شاهد، فنحن على ذلك، نحاول دائما أن نستعين، بمساعدة الأساتذة الكبار، مثل العم نادر، والمهندس طارق الشريف، على توثيق هذا الكلام، وهذا ما نسعى إليه حاليا، مع ذلك، لا يزال هناك الكثير خارج التسجيل.
ليس فى المكان أثاث بل بقاع كان الأثاث يحتلها قديما، وإن لم يكن كثيرا بلا شك يكفي.
سألته إن كان سيذكر شيئا عن أنواع الموديلات التي خرجت من مصر، وكيف أنقذ الموديل اوبرين أمريكا خلال الأزمة الاقتصادية؟
كان الوضع سيئا للغاية بطريقة يرثى لها، أصبح بالخارج عدد مهول من السيارات يكاد لا يصدق، على مستوى الكم والنوع، لو فكرت فى الأمر لن يبقى شيئا للصدفة، تهريب جماعي يغمر تلك الفترة كأنه حصل باتفاق، ومن أشهر هذه الموديلات، سيارة الملك فاروق «المرسيدس ٥٠٠»، وأيضا مرسيدس «٣٠٠ 8slw9» ( جلوينج والرودستر ) وأخرى مثل الكادليك، وغير ذلك الكثير.
أخذت الأمور تسوء بشدة فترة الثمانينات، سبب أن السيارات فى مصر تلك الفترة كانت لا تكلف شيئا تقريبا، ما دام فى إمكان أي شخص مهما كان دخله أن يقتنيها، يمكنك مثلا شرائها فى حدود ولنقل خمسمائة جنيها، الغرابة قادمة لا تتعجب، نفس السيارة اليوم تساوي بالملايين!
قلت له، المهندس حسام، أنني قمت بتسجيل لقاء من فترة، مع شاب يدعى أحمد ناصر، ولم يكتمل التصوير، فلم أقابله من الأساس، خرج معي فى منتصف الكلام وهو يقول، إن لم تكن فعلت، لكنت بدوري أعطيتك ترشيحه، هذا ما كنت أنوي فعله معك من البداية، لكنني هنا الآن مع هذه الحقيقة.
قلت أن سبق وفعلت، لكن لم يتم الأمر بشكل كامل، وما زلت فى حاجة إلى التصوير، لكن هل تعرف، حين أنظر إلى الأمر الآن، أعتقد أنه كان مقدر لي أن القاك، لأنني كنت مهما حاولت الانغماس فى الإحساس الذي حاول أحمد ناصر إيصاله لي، عن الهواية والأشياء، أعتبره مع ذلك يغالي بعض الشئ. تبخر كل ذلك هناك.
ضحكنا سويا، أو هكذا رأيت، لكنه بدا متأثرا. ثم تركت معه السؤال الذي حدد معي على أساسه المقابلة، فى الهاتف، قبل لقائه، بأن يتحدث معى، حول ما يعرفه عن قصة الخروج؟
يمكننا البدء، أنني لست خبيرا، أو لدي المعلومات الكافية، لأن أكون ملما بالموضوع، قد تجد أن أحمد ناصر، لديه تتبع معرفي أكبر، ما يثبت أو يوثق هذا.
لكن فى العموم، وهو ما يسعنا التنويه عنه، نحن فى مصر غير حذرين على التراث، وهذه السيارات تحمل تراث بالغ الأهمية، ومصر بلد أرستقراطي، منذ مئات السنين، وبالتالي كان هناك الكثير من الباشوات، والأسر التي لها وضعها فى العالم، مما لديهم حب تملك، وصل إلى هوس بالسيارات، من وقت أن اخترعها العالم.
وعندما تتحدث عن هذا يقابلك الناس بغرابة على مستوى القول والمشاعر والإدراك، فكيف تساوي التراث بالسيارات، مال السيارات وهذه المنزلة؟ وإذا ما استعرضت فى الخارج، كافة الدول، وعلى رأسها البلاد الحديثة، أمريكا رائدة منطقة البيزنس فى العالم، تقدس السيارات الكلاسيك.
هناك اقتصاد كامل يقوم على هذا، وبالطبع، كان هناك الكثير من السيارات، كان يجب أن تمنع الخروج، بأي طريقة، مثل سيارة الملك فاروق، والتي كانت مصنوعة، بأمر من هتلر أيام الحرب العالمية الثانية، ونحن نتكلم عن سيارة، كانت شاهدة على عصر، لم يصنع منها غير ثلاث قطع فقط فى العالم، حظى الملك منهم بواحدة.
وحصلنا نحن على 85 من الجنيهات، لقاء بيعها خردة فى مزاد، حيث انتهى أمرها، هكذا دون أن يعرف أحد شيئا، وهي اليوم في معرض بألمانيا، لا تقدر مهما كان الثمن!
بالعودة إلى الأوبرين لو أننا سنكمل الحكاية، نفذت الشركة الموديل ٨٥١ وأدخلت الأزمة الاقتصادية الرعب سنة ١٩٣٤.
فى ذلك الضوء المعتم، استغرقت الإدارة بما هو ماثل فى أذهانهم، حتى تبينت كنهه. وبدأ التحرك من هنا، تماشياً مع التأكيد أن علامة الشركة تدوي خارج هذا الحيز، من منتج محصور فى نطاق جغرافي معين، إلى شئ لا يقتصر انتشاره على مساحة معينة، وتتسع مساحته للعديد من دول العالم، فلم لا؟
هنري فورد، أنت تعرفه بالطبع، صاحب شركة فورد، عرف أن الأمر لم ينته، لم ينته ولم يبدأ، فاجأ الجميع، بعمل ما يسمى mass production ويمكن تلخيصه بأنه الإنتاج بكم هائل الحجم، ليحصل الزبون على منتج نهائي رخيص التكلفة، وأقوى تنافسيا من حيث السعر، وقابلية التسويق.
تعرف هذه المرحلة أيضا، بإسم آرت ديكو، ولأنه يعود إلى تصميم السيارة الذي يشعرك أنها منحوتة، وليست قطع ملحمة فى أجزائها، لا، بل أشبه بكتلة رخام منحوتة.
بعد أن أصبح المصنع ينتج بالكميات بدلا من الطلبية أو بالقطعة كما نقول، تحولت السيارات من اختراع كان يعد حكرا على الصفوة لمنتج أو سلعة في استطاعة الكل امتلاكها، بإدخاله على صناعة السيارات واحدا من الإبداعات الصناعية، التي كانت مستخدمة فى صناعات أخرى وهي خط الإنتاج، ولهذا كانت المشكلة الأساسية فى إرتفاع ثمن السيارة، هي طريقة التصنيع، أن تصنع محرك مثلا من خلال ٣ أفراد من العاملين، هي فكرة غير فعالة، أما في المنظومة الجديدة، تتحرك السلعة المراد تصنيعها عبر خط طويل، ويقوم العامل الواحد بمهمة واحدة فقط طوال الوقت، ثم يقوم من بعده بمهمة أخرى مختلفة وهكذا.
هل تفقد هذه السيارت بعد الترميم هيكلها الأصلي؟ أعني لو اختلت المعايير الخاصة بالأمان، كأن تحتاج إلى تركيب نص أو ربع أو خلاف ذلك؟ ما الذي تفعله لكي تقلل من هذه المخاطر وتحافظ على جودة العربية قدر الإمكان من التهالك؟
عملية الترميم، هي انك ترجع العربية لحالتها الأصلية، التي كانت عليها سنة الإنتاج فى المصنع، فالهدف دائما أن يكون توجهنا قائما، على رد كل مسمار أصلي في مكانه، وكل همومك الحقيقية، القلق فى إيجاد قطعة الغيار الأصلية وتركيبها فى السيارة، محاولا قدر الإمكان أن تقلل من قطع الغيار المستخدمة.
المشكلة هو أن كل خطوة بحساب فعلا، لا تريد ضبط سيارتك فى إيقاع لا يتناغم، وفى النهاية كل ما تفعله، يصب مباشرة فى مصلحة السيارة، التقييمات تنخفض، إذا حالت بين المؤشرات، طبقات مضطربة بين اللعب والتعديلات المجرعة، لأن السيارات أيضا عندنا، لها مقاييس فى التقييم، مثلا رقم واحد يطلق عليه conquers condition ويسمى condition 1، بحالة ممتازة، وشكل جذاب، وكل ما هنالك من الاكسسوارات.
ننزل بعد ذلك الدرجات المناسبة لكل من الممتاز والجيد، إلى آخر حالة نطلق عليها Fair condition، وهذا أقل مستوى ممكن، يعادل لسيارة بها الكثير من الشغب، وبالطبع يختلف سعرها عن الشدة الأولى.
طبعا، نحن نقوم بمعالجة التلف، وترميم الأجزاء المهترئة، دون الإخلال بالهوية التاريخية، وإخراج المخطوط، بشكل يتناسب مع أسلوب العرض الشائع في المتاحف، أو الاطلاع.
فأول ما ينشد ليس التغيير، وإنما طريقة المعالجة، ولو فشلت العملية نبدأ التغيير، ولا أكذب عليك، عملية التغيير نفسها عملية كارثية، ونادرا ما نجد فى هذه الفئة من السيارات الكلاسيك، تغير بهذا الشكل، لأنه لو حدث، تفقد السيارة قيمتها بسرعة السبرتو، والأنكى، أنها لا ترخص، لأن المرور عندنا له من التعقيدات ما يكفي، فيمنع الترخيص فى هذه الحالة، ولو سألتني عن رأيي، الموقف صحيح لا يشوبه شئ، لأن السيارة تكون قد فقدت عنصر الأمان، وأي سيارة حتى لو كلاسيك، لها عنصر أمان، وها هي تخسر بالإضافة لقيمة العربية، حيث تكون قائمة الإصلاحات كبيرة وما بقى منها لم يعد بحالة جيدة.
كلما فكرنا فى معالجة هذه الأجزاء بدلا من إزالتها كلما كان أفضل، ولو يعتريها الفشل، على أسوأ تقدير نبدأ التغيير، الفكرة نفسها أن التغيير الهائل الذي تتكلم عنه، عند قيامك بتغيير ربع مقلد، أو مستحدث، أو مأخوذ من عربية استيراد أو أيا يكن، تكن عديمة الشكل غير مكتملة، ويضر ذلك بالسيارة وقيمتها، كأن مكونين من مادة لدنة سخنا معا، ومزجا معا، تحت قدر معين من الانصهار.
فنحن، كما قلنا لا نحاول ابطال السحر، نطمئن على السيارة بإرجاع خالص، لحالتها الأصلية بعيداً عن هلاكها.
بالنسبة للمحركات كنت قرأت مقالة مؤخرا عن مصانع وارد ليونارد، وكيف أنه يقوم بتصميم المحركات على الطريقة القديمة، وهي التجميع اليدوي، للحفاظ عليها من التآكل لأطول فترة ممكنة، وبالطبع مثل هذا التصنيع، يصلح أكثر مع استهلاك منافذ معينة، مثل الجيش الأمريكي، وخلاف ذلك .. لكن كيف تقابل هذا الوضع فى عملك؟
نحن الآن فى العمل، دعني أمسك معك أول عقدة، ذلك أن التفاصيل فى هذا الموضوع تعد من جنس حياكة الثوب على الماكينة الصغيرة، ما إن تضع الطرف حتى يكر، حال النقطة التي أشرت إليها الخاصة بالمحرك، وما يمثله من مشكلات.
بشكل مبدأي، لا تكن المعايير نفسها إذا فقدت السيارة محركها الأصلي، مثلا لو أن هناك سيارة ٢٨ تتصل بالمحرك الأصلي، تصيب السيارة هدفها وهو الثمن ٣٠، عليك أن تقبلها أو تبحث عن سيارة أخرى، هذا ما أقصده عندما نتكلم عن المحرك، السيارة تكن فى أفضل حالاتها بالمحرك الأصلي، الذي صمم ليناسب وعاء حجم وتعقيدات المركبة، فمن الأوليات دائما، الميل تجاه أن ترى السيارة على هذا النحو.
لكن عندما تقابلك مشاكل فى المحرك الأصلي، وهذا طبيعي، وأحد الأشياء التي تريد التحقق منها، هو ألا تكون تجاويف المحرك المركزية معطوبة بشكل كبير، فأول ما تبدأ بفعله، هو البحث عن قطع غيار أصلية لهذا المحرك فى مصر، لو فشلت فى العثور، ستجد فى الأسفار، تتجه إلى أمريكا وأوربا على حسب البلد المصنع، لو فشلت هذه المرة لا يبقى الكثير من الخيارات، هناك فقط حل واحد يمكنك الاعتماد عليه، أن تحتفظ بالمحرك الأصلي فى حالة لو أنك نويت البيع، ثم تحصل لها، على محرك لديه كفاءة اعتمادية عالية.
هل قلنا أنه، من الممكن، أن يحتوى المحرك على مجموعة كاملة من التروس ذات المنشأ غير المعروف؟
نعم، هناك فى العمل ما هو أسوأ، لكن أيضا هناك الأفضل، لو ألقيت نظرة مثلا على الأمريكي، ستعرف ميزة الصناعة التي أتكلم عنها، قطعا لن تفقد الأمل فى إيجاد الغيار المناسب، ولماذا؟ لأن نفس المحرك الواحد من الممكن أن يتوحد بكذا سيارة أخرى، وقد يستمد عمله على مدى الفترات بمساعدة التحديث، وينزل على عدد ٤٠ عربية، هناك مثلا شيفروليه موتور اسمه «شيفى ٢٥٠٤٠٠٠ سيسيه» هذا الموتور تولت الشركات تقديمه من فترة الأربعينات حتى الثمانينات، تخيل واحسب كم من المرات التي استهلكت السيارات فيها هذا الموتور، قس على ذلك بلوكات كثيرة، مثل شيفي، تري فيف، ومحركات أخرى.
ما هي أقصى حالة يمكن أن تقبل عليها جودة السيارة حتى تبدأ فى الترميم؟
أشياء كثيرة يجب أن تؤخذ فى الاعتبار، فنحن نجمع فى الرسم التخييلي نفسه، معالم متباينة وحقائق تاريخية لكي لا تكون النتائج كارثية، حيث تلتقي وجها لوجه كل ذلك الزعم المتراكم، فربما نحتاج إلى تفكيكها إلى قطع، لتتم إزالة كل طلاء متبقي عليها، أو حشوات، أو أية إصلاحات أخرى سيئة خضعت لها.
عندما تكون جاهزا للوقوف أمام سيارة، أمامك جاهزية أخرى للنظر فى الكثير من الأشياء، الشئ الوحيد الذي يمكنك أن تعول عليه، كم قطعة منها توجد فى مصر؟
ثم بعد ذلك، علينا إلقاء نظرة عليها وإجراء فحص دقيق، لتبدأ برؤية بعض الأشياء، على أساس عدد كبير من العناصر، من بينها الصاج والميكانيكا، هل تحتاج إلى الكثير من الإصلاحات؟ أحيانا يوجد بعض العفن حول الحاجز والألواح، بجانب الثقوب التي سببها الصدأ، كما أنها قد تفتقد إلى الكثير من القطع، والاكسسوارات، ما هو الشئ الناقص ولذلك ستحتاج المصدات ومقابض الأبواب، وما هو الكامل؟
ينتهي بك الأمر مع قائمة من الأشياء التي تظن أنك تحتاجها، مع شطب الأشياء الموجودة لدينا، والتي نظن أننا نستطيع الاستفادة منها.
كم ستحتاج من الوقت لتصبح فى وضع جيد؟ أحيانا تعاني من أجل إيجاد قطع تناسب السيارة، ويبقى إصلاح هيكل السيارة مع ذلك أكثر الأعمال أهمية، حيث يجب إصلاح الألواح المعطوبة على طول القسم الخارجي، إضافة إلى أقواس العجلات، والتي تغطي ما يمكن أن يكون مجموعة من الفجوات، التي تكشف ببطئ عن مدى الضرر الحقيقي الذي لحق بهذه السيارة.
بعد ذلك نبدأ بوضع الميزانية المخصصة لعملية الترميم، لكي يكون فى استطاعتنا تقييم الناقص مع تكلفة العمل، بعد ذلك نعقد مقارنة بين سعر السيارة على أساس الميزانية لاحتوائها، ولشئ آخر هو التفاوض، لأنه يكون لزاما ألا تتعدى السيارة المراد اقتنائها سعر معين، حتى لا تبلغ مراتب دونما تناسب مع مستواها الحقيقي، باستثناء أغراض أخرى بالطبع، ويعني ذلك أن السعر يختلف باختلاف الأهداف الشرائية، فلو كانت مثلا للتجارة لا ينطبق عليها نفس الوضع، لأن الشئ الذي تنتقل ملكيته إليك يكلف بطبيعة الحال أكثر من التجارة به.
بعد ذلك، هو السير على خطها المقرر، تبدأ فى معرفة والتأكد ما إذا كانت السيارة أصلية، لا يمكنك غض الطرف بتنحي تدريجي عن الصيني أو أي شئ آخر، يتبع فى ذلك عمليات أخرى تنبع من قلب التسجيل، الأوراق مثلا والملف الذي يرفق ضمن مستندات أخرى، فى المرور، مع استيفاء الإجراءات والتراخيص، الرخصة منتهية ولا كاملة مع تقدير الوقت فى الحالتين؟ الموديل مكتوب فى الرخصة ايه؟ سنة الصنع؟
وفى حالات أخرى كثيرة نلجأ إلى فحص الملف فى العربية والافراج الجمركي، كيف دخلت مثلا ٤ باب كوبيه؟ فكل هذا يحكم معنا فى السعر وعملية الترميم نفسها، إلا أن السمة الأساسية التي زينت كل هذا، أن تكون السيارة نادرة، لكي تحس بالميزة.
ما هي الأنواع التي تميل لاقتنائها، وتحب مثلا أن تتعب عليها؟
من بين جميع السيارات ركزت حبي بصفة خاصة على النوع الأمريكي، أعشقه بشدة، كل الأمريكي، أفضل المرسيدس بنز، يصعب أن أتخيل معها كيف يمكن لأي نسخة بديلة أن تكون أفضل منها، وإلى ذلك قد نضيف الألماني، كما أحب الإيطالي أيضا، سيارات لذيذة، أما الأمريكي فإنه يدرك على الفور مكانه فى الشجرة ويتقدم على كل ذلك. ولكن أي شخص قد يسرع بالقول، عن الأنواع الأخرى التي يشعر نحوها، ثم يأتي إلى النوع الذي يحبه، يؤخر الكلام عنه حتى يفي حقه، لكنه أدرج هذا مثل الخرطوش الملكي فى حجر رشيد، لكن القاسم المشترك بين كل ذلك، أن تكون القطعة نادرة، قليل منها العدد الموجود، لكي تحس بقيمة العربية، وتقدر ميزتها، هذا شئ جميل ورائع.
البرمجيات ستوقف معظم الصناعات التقليدية، كما تقترب منا هذه الحقيقة كل يوم، انتقلنا إلى الصيانة، وكنت أظن أن هذه السيارات يسهل صيانتها، لأنها متخلفة تكنولوجيا، على أقل حال، لذا وقعت فى اغواء ما بدأت به، لكن يتضح أن الأمر لم يكن بتلك السهولة، وهذا من ثم هو السبب الذي يجعل تلك السيارات سهلة وصعبة.
هل تعد هذه السيارات سهلة الصيانة لأنها كما نقول، متخلفة تكنولوجيا؟
والله، لا توجد سيارة كلاسيك نستطيع معها القول أنها سهلة الترميم، إلا فى حالة واحدة، أن تكون السيارة كاملة! بحساب النواقص، بمعنى الإكسسوارات، يحسب ذلك بمعدل طردي، لكن مشكلة الترميم فى مصر أن الصنايعية، قليلي العدد، يحده عالم صغير ضيق من محترفي الكفاءات الشخصية، بأجور تكلفتها كبيرة نوعا، والعمل الذي ترجوه، فالعملية دائما متأرجحة بين السهل والصعب.
صعبة لو أن السيارة ينقصها الكثير، بالطبع يتعب المرء، ومن ناحية أخرى تحبط المصاريف منه، وتزيد.
سهلة لو أن العمل سيتم عند الطرق فقط، فى إطار الصاج، الميكانيكا، وأي إصلاحات أخرى، لن تواجه معها على الأقل متاعب الشحن والجمارك، مقاربة الصندوق من قطع الغيار، لأن البضاعة نفسها تصل إليك هنا، مفتوحة العداد.
كل هذا يعد عليك مبالغ، تجد نفسك فى النهاية تتكفل الفانوس الواحد بمبلغ ٦٠٠٠ آلاف جنيه مثلا، فما بالك بطقم كامل؟
قس على ذلك أي شئ آخر، كل ما قطعة الغيار نفسها تكبر، كل ما سعرها على مصراعيه فى الغلاء، مع الشحن والجمارك، معاملة الوزن بالضبط، فالعملية صعبة ومكلفة.
أما غير ذلك لو السيارة كاملة، لا تشعر بأي شقاء، بسيطة الدنيا .. تركب وأنت مبسوط فى الحالتين.
يكمل المهندس حسام على هذا، وهو يتحدث عن ضرورة وجود هياكل داعمة، كما فى أي مكان آخر بالعالم، عبر الضخ الدائم للموارد، التي تكفل لتلك الظاهرة أن توجد في بيئات، لم يكن لها أن توجد فيها، لولا توافر تلك الشروط، ولن نذهب بعيدا، عندما ترى الوضع فى الخليج، تعرف أننا متأخرين إلى حد بعيد، هنا فى مصر، لا يوجد لدينا قطع الغيار الكافية، التي تغطي حجم الطلبات، أو حتى مجاورة ما هو موجود بالفعل، على عكس السوق الخليجي، الوضع يختلف تماما، لديهم فى المخازن كل قطع الغيار المناسبة، كما لديهم أيضا إمكانيات الاستثمار، مما يفسر وجود كل تلك السيارات المعقدة.
نتحدث عن مشاكل من العيب أن تكون كذلك، فنحن نواجهها، بجانب الصعوبات الطبيعية فى العمل، عما يقاسيه بكل تدرجاتها.
ومن جانب آخر، تبقى مسألة الاستيراد صعبة جدا، وبالطبع، الكلاسيك ما هو إلا عبارة عن اكسسوارات ونوادر، وأيضا تلك الأشياء المسماة، نواكل، هنا لا يوجد شئ، باستثناء اجتهادات شخصية، منصرف أمرها، إلى نشاط لا يترتب عليه اشتباك داخلي أو خارجي.
لا يتوقف الأمر هنا، إذا كنا نتحدث عن صعوبة استيراد قطع الغيار، فلا يوجد عملية استيراد السيارات نفسها!
لكن تدخل عربية مصر؟ وهي خطوة أخرى فى العملية البشعة، الحل الوحيد فى نصفين، كان يحاكي الحركة بيده، وهو يتحدث كأن السيارة أمامه بالفعل، حيث شطرت إلى نصفين تحت مقصلة، أو كان من تصوري، عندما سرحت مع هذه العملية لبرهة من الوقت، أقوم بتركيبها فى دماغي، عند سماعي كلمة نصفين، والمقصود من هذه الطريقة، كما قتلت هذه النقطة بحثا، هو فصل الجسم عن الهيكل، ثم تبدأ في تجميع الأجزاء مرة أخرى، بوضعها، وربطها إلى الشاسيه، المأمون حسابه.
وفى النهاية، لن يمكنك اكتشاف إمكانات سيارة من الماضي بهذه الطريقة المتردية.
إما ذلك أو انتظار الإفراج الجمركي، منذ لحظة دخولها الحركة بمصر، وتكون مخزنة لستة أشهر، بعد انتهاء نفس المدة، لا تفعل شيئا غير أنها مركونة، شئ غير ممتع بالمرة.
فوق كل ذلك، من يمتلك هذا الخيار، يجب أن يتمتع بإقامة فوق المصري.
أحمد ناصر .. أثناء حديثنا لقد ذكرت كلاما عن التطور، قلت أن السيارات الكلاسيك شهدت تطورا ملحوظا عن الماضي، ماذا كنت تقصد؟
ما كنت أقصده أن التطور حصل على مستوى الاهتمام والأفكار، العدد يزيد وكذلك حديث الناس، بدأ الوعي من ناحية هذه السيارات يكبر بشكل ملحوظ عن أي وقت سابق، بالتزامن مع دماء جديدة دخلت الهواية، وظهور دمج جديد بآراء مختلفة، وأصبح يوجد أكثر من فكرة يعمل بها فى إطار المدرسة، وما يتعلق بمسار تطورها، لتأسيس طرق جديدة تجمع بين الأساليب، فكثير من الأنظمة فعل ذلك مع تحقيق درجة هائلة من التحديث، مدرسة تعمل فى الترميم، مدرسة أخرى تعدل عن طريق ما يسمى ريترو كلاسيك، وتعني سيارات بطبع كلاسيكي، لكن السيارة نفسها تستريح فى جنبة التعديلات، مثلا أن يكون بداخلها موتور حديث، أو أية تعديلات جديدة، بما يحافظ على سلامتها بشكل لطيف.
وعن المدرسة التي أجد فيها هوايتي، هي الترميم، عندما أخذ الوعي فى الازدياد لم تعد الناس تجهل فى استغناء، عن العربيات بهذا الشكل كما فى السابق، بل على العكس بدأت الناس تهتم بالمحافظة، بدأت التجمعات، بدأنا فى تنظيم الفعاليات ومشاركة بعضنا الهواية، نشارك بعض الشغف والمعلومات، ننشد العمل والاتحاد الذي يصنع القوة، ويحافظ على ذلك الإرث، هذا ما كنت أقصده بالتطور.
ما هي المدارس المختلفة .. الكلاسيك؟
بعد أن توقفنا بالسيارة عند مدخل الساحة، كنا نظن أننا انتهينا هنا، لكن صعدت الأسئلة، تعقيبا على قول لم يتوقعه، بوتيرة حادة مرة أخرى، حيث قمت بسؤاله عن المدارس الكلاسيك.
بالطبع، هناك مدارس عديدة، المدرسة المؤسسة أو التي تتبنى العمل:
١- هناك مثلا الترميم، بإعادة السيارة لحالتها الأصلية، التي كانت عليها فى المصنع، وقت الإنتاج (original).
مشاكل هذه المدرسة: كما قلنا سابقا، المشاكل كثيرة جدا، وكلها مهمة، من بينها صعوبات الاستيراد، والترخيص الجمركي، وسعر صرف الدولار.
فى الخارج، تأتي هذه المدرسة مع خيارين، يكون إما عن طريق المعدات الأصلية original equipment وهي التي أنتجت من قبل الشركة المصنعة نفسها، أو عن طريق التجديد بقطع غيار After market وهو الشئ المصنع من شركات كثيرة تحت العلامة التجارية.
لكن هنا فى مصر أحيانا نضطر لأن نوفق، وهذه مدرسة أخرى.
٢- هناك مدرسة، لا تهوى العمل إلا بالطريقة الوحيدة، والتي يأوى إليها البعض مهما كانت التكاليف، عن الجمارك والشحن، لكنه يستعد ويكون راضيا، برؤية وتركيب المعدات الأصلية.
٣- هناك مدرسة أيضا تسمى ريترو كلاسيك، مثل سيارة مرسيدس كانت موجودة فى هذا المعرض الأخير، الشكل من الخارج كلاسيك، لكن معدل فيها بطريقة مودرن، لأكثر من نموذج مقياس قابل التجميع (After market) المحرك، الناقل، عفشة السيارة، وحتى الفرامل، وقائمة الأعمال تزداد طولا، كل ذلك، فى قالب يتماسك مع السيستم. إلا إذا أردت، بالطبع، أن تلقى تحديا فى كل خطوة على الطريق!
٤- ومدرسة أخرى تسمى rest mode السيارة تكون قديمة، إلا أنها معدلة في الجسم بشكل مختلف تماما، السقف البلاستيكي مثلا القديم، أو المصنوع من القماش، يمكن أن يرمى فى القمامة، ويستبدل بشئ أكثر أناقة.
أما الريت رود وهذه مدرسة الأمريكان، تزيد عن المدرسة السابقة بجانب الجسم، تعديلات المحرك، ويفترض أنها بذلك، تجمع بين الأداء والأناقة، السيارة تكون من الثلاثينات والأربعينات، ومع ذلك تشعر بأنها عصرية. فى الترميم تتمنى ألا تحتاج إلى صفائح جديدة على الجسد، لأن ذلك يكلف ثروة!
يكمل أحمد ناصر الحديث عن التطور، كأنه بات يكتشفه على مهل، كلما فكر بالأمر، بالانتقال إلى مستوى آخر يخص المراجع، في أي شكل كانت متاحة، سواء إنترنت، أو كتب، أو عن طريق الأرشيف وغيره من المواد، وأهم ما فى الأمر أننا أصبحنا تكتل تشكله الخبرات، ومن نتاج التجارب، نرشح لبعضنا الناس، آه هذا فلان قام بإصلاح سيارتي، كما ونساعد بعضنا بقطع الغيار المناسبة، لناس عندها العربيات من نفس الموديل، أو من نفس النوع، وكل اللازم من توجيه النصائح.
كل هذه الأشياء، ما أخبرتك به وما أحاول، سكنت الهواية علامة فارقة عن السابق، لم يكن أي من هذا هناك، حاول الجيل القديم حينما كان الوضع ينحدر، أن يبذل قصارى جهده، لأنك فى هذا الوقت، لو احتجت مثلا لقطع غيار، من الخارج، عليك فقط القيام باجتياز مراحل أولية مرهقة، وقد لا تعود بشئ، مثل عمل الفاكس والترجمة، ومراحل أخرى تجاوزها العالم.
’’دلوقتي الدنيا أسهل والعدد زاد‘‘
بدأت هذه الهواية بشكل سليم، على يد محمود عز الدين، سنة ٢٠٠٤ حتى الآن، ولو تتبعنا هذه الفترة، سنعرف قطعا أن العدد يزداد فى كل سنة عن الماضية، ويؤثر لذلك حجم القطاع أو الـ Collectors.
بخصوص المراجع ما هي أبرز المواد التي تستطيع الاعتماد عليها؟
لو المراجع من حيث الشخصيات، العم نادر رياض واصف الله يرحمه، والمهندس طارق الشريف الله يرحمه، وصديقي العزيز محمود عز الدين، والأستاذ عمر رفاعة، وأخيرا الأستاذ محمد سالم.
من ناحية الاونلاين، لا يمكنك الإحصاء، هناك فقط الكثير من المصادر، الأمر يتعلق بالبحث الذي أنت بصدده، فكل سيارة ولها مصدرها، أعني المنشأ والشركة المصنعة نفسها، هذا ما أفعله دوما، استقى معلوماتي من الخواجة نفسه، فى الموديل أو شيئا له علاقة فى الفروقات مثلا، هذا بجانب مكتبتي، فيها كل ما تشتهيه الأنفس.
من الناحية المحلية، لا يوجد وصف هين لتعبير ذلك، بصراحة أجد أن الزفت أنقى، الجرائد كلها والمجلات، لا يوجد شئ يسبب لي التعاسة بقدر هذه المخلفات، ولهذا حتى من ناحية الهواية، بشكل كبير أعتمد على المصدر الأجنبي، وهو فى هذه الحالة، اليد المصنعة للسيارة نفسها، أو الخواجة نفسه كما نحب أن نقول.
بالنسبة لدورية الأخبار والمجلات؟
مع الأسف، تعتمد الجرائد فى مصر بشكل كبير على الدعايا، أكثر منها شيئا يمكنك أن تحصل منه على أي شئ، أو يمدك بالمعلومات، لكن بصفة شخصية، هناك مجلة تسمى عالم السيارات، أتابعها، وهي مصدر خليجي إماراتي، شغلهم للأمانة محترم بكفاءة عالية، ولا توجد بها أخطاء.
بالنسبة للوالد عرفت أنه كان محترفا سابقا فى الاوتركس، ومعه البطولات، هل لا يزال هناك مجالا لهذه الرياضة؟ أم انتهى؟ وكم من شركة أو راعي تبنى هذه اللعبة هنا؟ وهل كانت مقتصرة على التشجيع المحلى، أم مرتبة بمستويات فى الخارج؟ وما هو أساس اللعبة؟ هل هي نوع من الاستعراض بقدرات السيارة؟
’’بالنسبة لرياضة السيارات، أنا بابا بطل من زمان شقاوة زي ما بيقولوا فى التسعينات يمكن، أما السبونسر دلوقتي الأشهر للرياضة دي فى مصر، أباظة اوتو تريد، والرياضة دي طلعت على كتفه زي ما بنقول يعني‘‘
اعذرني، ليس لي فى هذه الرياضة، بقدر الكلاسيك، غير أنني أحاول تجنب الكلام على هذا الـ community.
هل فعلت هذا من قبل، أن تصدر عملك إلى الخارج؟
الأمر لم يعد سهلا كما السابق، وأنا شخصيا لا أحب وسائل البيع فى الخارج، كما قلت لك، أعتبر هذه السيارات ثروة قومية ويصعب علي أن أفرط فيها، وإذا فعلت ذلك كأنني خرجت الآثار من البلد، مع الثقافة والهوية وكل تلك الأشياء.
وبسؤال المهندس حسام، عن كيف تنتقل هذه السيارت من مالك إلى آخر؟
مثلها فى هذا كأي سيارة أخرى، هناك فقط بعض الأحيان، صعوبة كبيرة فى التراخيص، ومشاكل تواجه مالكي هذه السيارات، بسبب الورثة، نظرا لأن هناك سيارات، ذات أوراق قديمة، فضلا عن الضائع منها.
وفى عموم الأمر، هناك قرارات جديدة وإصدارات، متقلب حالها كل فترة، بشأن الترخيص، بعضها موفق، والآخر غريب، يأتي فى شكل إشاعات دائما كيف تتسرب، لا تعرف ماذا يبدو لك؟ وإن يكن، لهو حزين أن يطلع من هذا البلد، ماذا يعني إلغاء ترخيص السيارات الكلاسيك؟
مثل هذه القرارات، تعمل إثارة بلبلة فى السوق بشكل رهيب، يطغى على أي مصالح، يخاف الناس من الطبيعي، قلقين على تجارتهم، وأعمالهم، ويساهم أيضا فيما كنا نتحدث عنه، بالسلب، مجال حساس ولا يحتمل أي نوع من الإشاعات، بالكاد كنا بدأنا تصديق، أن الهواية تطورت، وزاد عددها، على صعيد متفاوت، فعلى ماذا يساعد قرارك هذا؟ فيم كنت تفكر من الأساس؟ أعرف أنه من المحتمل أن يكون الغرض منه، غوغائي، أو محصور على فئة معينة يراد بها الخطاب، لكنه لم يقال بشكل لائق مثلا؟ فأين الخطأ؟ هل هو قرار متسرع غير مدروس بما يكفي ليحدد وجهته؟ هل هو مقصود لذاته؟
على الأقل، أعرف أفراد، وكانوا يبدون استعدادا فى الاستثمار، لكنهم تراجعوا بعد القرار، وفى العمل، هناك من تضرر عطلة، إلى أن يتم النظر فى أبعاد وحقيقة القرار، و ألغيت مخططاته، بطريقة سيئة حين فاجأته الحكومة، بمحنة جعلته عاجزا.
لكن، ها هي النتيجة جراء التعميم الحاصل، الانتقال السريع إلى خانة الهلع. أوَ تعرف شيئا، ألعاب البخت كثيرة هذه الأيام، لأن هناك ما يدعو أكثر للغرابة، يحاولون إقناعك بفعل شئ ترفضه وأنت تضحك. علام، بما أنني أدفع كل التكاليف المستحقة، أكون بعد ذلك ملزما، بالرضا عن الخيارات التى تحددها لي؟ هذه سيارتي وأنا حر فى النهاية، إذا كنت أريد يوميا دفع ما يعادل امتلاء ٨ سلندر مقابل البنزين، فما ضيرك؟
لا أريد الغاز لسيارتي، هناك ضرائب محصلة، عن كل ما يجعل الكلاسيك سيارات طبيعية، هل يصح أن تعامل نفس المعاملة، من تراخيص، ومرور، ومخالفات، ولا تلقى الدعم الملائم؟
لما كنت فى طريقي إلى المعرض، ركبت مع سائق يعرض علي التوصيل مقابل مبلغ آخر، فى مسافة لا تتعدى خمس كيلومترات، وعندما سألته، أوضح أن المواصلات الداخلية شحيحة وتكلفتها عالية، فى العودة دفعت نفس الأجرة العادية، وصولا إلي الغاز، ولم يكن الطريق يحتاج إلى أكثر من مواصلة. تكلم معي عن الحياة والأوضاع هنا، وإذا أردت أن تعيش، يجب أن تتحمل تكلفة الحياة بأي طريقة، وعليه، أشرك الركاب فى الخلف معنا فى الحديث، سألوه عن حاجتهم إلى بنزين، قال أن المتر يقف عليهم بحساب أكبر من الطبيعي، وعندما أصبحنا وحدنا، بما أنني المتبقي بعد أن نزل الجميع، فتح موضوع البنزين بسعة أكبر، قلت له أن السيارات أصبحت تستعمل الغاز لهذا السبب، لكن من يفعل ذلك بدوره، عليه تهيئة شيئ من الداخل، معقبا هو الأسطوانة، لكن المشكلة أن الغاز لا يقوم بالحرق مثلما يفعل البنزين .. خفيف.
إذا أين المعضلة، نظل فى دوائر مفرغة، لا تقدم حلولا، تعلن الحرب وحسب، على الهواية التي نضيع فيها أوقاتا، لا تهمنا ما دمنا نحب ذلك، وهي أوقاتا جميلة بالمناسبة، لا تقدر بطريقة أخرى، ولقد تسببت بشكل خاص لنا فى الداخل، هنا، بمشاكل حقيقية، وما لنا القول غير، أن هذه سيارات تجلب المال، وليست منفصلة عن الهواية فى شئ، مثل ما يحدث معنا هنا، اليوم، بأثر تشغيل كامل، محققين سبل العيش، إيجار مرتبات، عمالة، أرضية، قطع غيار مستوردة، استثمار كما نود أن يبقى، على الأرض، و سيفعل، وإن كانت الحكومة لا تجيد الدعم، لا نريد لها على الأقل أن تقف فى طريقنا.
هل تريد أن تعرف حجم التأثير؟ خذني مثالا، فى المتوسط، لو اعتبرنا أن العمل كان ينتج لي بالنسبة المئوية فى الظروف العادية، ما نسبته تقترب من الـ ٦٠ فما فوق، تتراجع هذه النسبة الآن بشكل كامل.
ستجد ما لن يهمه الأمر كثيرا، ولا يشكل له القرار أي داعي، وهذا فارق الإمكانيات، لكن هناك من يملك سوى سيارة أو اثنتين، بمن يلجأ لتنفيذ المطلوب؟ وهذا عمله.
ثم أشار المهندس حسام، إلى قرار آخر يشبهه، لكن ليس من ناحيته، مشكلة التعميم لا تخصه، هو فقط يوضح ما يمكن أن يكون فيه لبس، قائلا، أن ذلك إنما يخص السيارات الخردة فى السوق المصري، ولكن لو سألنا أنفسنا، لماذا هذه السيارات بالذات؟ هل أصبحت فجأة موضة الشارع؟ أم أن المواطن اليوم أصبح محاطا بالضغوط المادية، فأن يجدد أو يستطيع التغيير، يجب عليه أولا إزاحة هذه الأعباء؛ فكيف لهذا القرار أن يكون فى صالحه؟
ماذا لو طبق القرار وأصبح معمولا به؟
بالتأكيد، ستدخل الأطراف المعنية فى صدام، ولن تجد من يتنازل بسهولة عن سيارته، فقط لأن الحكومة تريدها، لا، لا، أستطيع أن أضمن لك ذلك، سيكون هناك ما يفصل بيننا فى المحاكم، نحن لسنا صغارا، لنقف من بعيد مقيدين الأيد، أوَ ليس هذا المجال مستويا ومحكما فى رابطة كبيرة؟ كذلك الأمر بالنسبة للهواية دائما، بالنسبة لنا، بالنسبة لهم، تأدية طقس، و مشاطرة انفعالات مشتركة، وإثبات تضامن العصبة.
نتكلم عن عائلات أرستقراطية، ذات سلطة كبيرة أو ذات علاقات مهمة، وهؤلاء؛ يشترون السيارات القديمة الكلاسيكية، كرموز أو لأهميتها أو للاستثمارات الكبيرة، فليس لأحد آخر المقدرة على فعل ذلك.
وهذه فى النهاية، ألعاب كما يعجبني تسميتها، ولن تريد أن تحارب أحد فى لعبته، وتتوقع منه السكوت، خصوصا عندما تصبح تلك اللعبة مدرة للأموال.
بعد أن تركني السائق، وحدد لي اتجاهات السير، سألت مرة أخرى أول شخص أقابله، ولم يعرف أحد ما أتكلم عنه، مر بي شخص آخر، أعطاني الوصف الأسهل، محددا لي علامة، كدت أنجح، ولأول مرة فى الوصول معتمدا عليه فقط، الـ gbs، لكنني فى الأخير، أصبحت أعرف موقعي، من العلامة التي حددها شخص مر بي!
حافظت على اتجاه سيري مع الأبراج البيضاء، فى النهاية، وصلت عند رقعة ملتهبة من الطريق، قابلت شخصا آخر، قسم المنطقة لي، إلى مربعات، حيث تركني أحتار، هنا مربع الخرسانة، هنا بالخلف، مربع السيارات الذي من الممكن أن يكون وجهتك، قلت فى نفسي، لماذا لا أتابع مع الخريطة فى المربعات الداخلية، جعلت الهاتف أمامي، مددت يدي فى الإتجاهات كلها، كأنه جهاز الكشف عن المعادن، وصلت إلى آخر شارع رسمه الـ gbs، مع المؤشر المحدد مكانيا، انتقلت إلى الجهة الأخرى المقابلة من الطريق، بمحاذاة السور، ولم يبدو أن أحد أيضا يعرف، أو يقترب من معرفة ما يطلق عليه كابتن كلاسيك، حتى عندما سألت أحدهم بالجوار، لم يكن الإسم مألوفا له، وهو على بعد خطوات منه على نفس الخط، سألته فى نفس اللحظة التي لمحت فيها الإسم، ولو أنني تريثت قليلا لما فعلت، وها أنا ذا علي أن أسمعه، قال لي أنه لا يعرف شيئا عن هذا، وصفت له ماذا يعنيه الإسم لكي يعرفه وهو بجانبه، إذ لا يصح أن يكون قريبا لهذه الدرجة، ولا يعرف علام يرتبط، وثانيا لأنني أردت التأكد من وصولي، صاح فجأة وهو يميل قليلا إلى الخارج من مكانه، على الرصيف، يشاور لي، المكان الذي تقصده، أمامك هناك، شكرته وذهبت.
لون المبنى الرمادي، تقريبا هو ما جعلني ضيع رؤيته كاملا، ظننته التراب فى عيني من طبيعة المكان حولي، باستثناء هذه العلامة هناك، والتي عرفتها مسبقا.
شعرت بنشوة فى اتجاهي للمكان، وكلما اقتربت، شعرت بالحماس لقربي منها. إنه لأمر مهيب، حين تبزغ فى الأفق بك، ثم يكون عليك أن تشاهدها، وهي تقترب وتغدو أكبر فأكبر، ثم تراها تتجمع عند المنعطفات، ثم تستدير، باتجاه آخر جزء مستقيم من الساحة.
كان هناك بالخارج الكثير من السيارات المزدحمة، أمام الساحة الخارجية، حتى أنني تبينت بصعوبة من بينها الداخل، أردت أن أهرب، لكن رأيت أن أنظر لو أن هناك بوابة أخرى، تفقدت المكان على طول الحائط المسور، كل البوابات موصدة بطريقة لا تعمل أبدا. استجمعت شجاعتي أخيرا على الهاتف وكان يجب ألا تماطل بعد الآن، وصف لي البوابة التي كنت مقبلا عليها بداية، بدأت الجري ببطئ حول المعرض مرة أخرى، رأيته أمامي يرفع يده، هنا، وسرعان ما التفت إليهم مرة أخرى.
أدار لي ظهره، معلنا لي من البداية أن لا وقت لديه، قدمت من الخلف، ألقيت عليه التحية، رحب بي، اذهب والقِ نظرة بالداخل، سأكون وراءك.
فى الداخل كان الجو معتماً بعض الشئ، لقد كنت فى الشمس لنصف الساعة، أحببت رؤية كل المعروضات، التقطت عيني عوارض الربط، المرسيدس على يميني، وأمامي مباشرة، سيارة أخرى مستوية بالأرض، تقبع فى حالة من السبات، تمكث هكذا، قبل أن ترتفع عن أقواس العجلات، التي كانت تحتمي بها، كأنها خنفساء تخرج من القوقعة المحاطة، أسيرة بها.
نظرت إلى رافع السيارة، أيضا، كأنه ينهار فى أي لحظة، طوال الوقت تتوقع أن يحدث شيئا، كلما تقدر خطورته، تعى أنه بحجم، مخضرم أسود، يترقب دائما لكن لا أحد يلاحظ، ينقض عليه الأسد، وهو مصمم، على عدم فقدان السيطرة.
أقطع فى المكان، جيئة وذهابا، حتى أنني وددت الدهشة، للجميع، أنني ما زلت منبهرا، وأن وجودي لا يزال له معنى، بغض النظر عن الوقت الذي تأخره المهندس.
بعد قليل، ناداني، كان معي زبونا يستحق مني كل التركيز، لا تؤاخذنا.
اتبعني، فكرت أن الأمر سيتم هنا، كان بلغ البوابة ينتظرني، ظلت قدمي بالخلف أجرها، تتبعهما متباطئ، ومتجهم الوجه بعض الشيء.
تعال، وهو يشير إلى السيارة، دعنا نأخذ جولة لتعرف الكلاسيك، ونظرا لضيق الوقت، نقصد البنك.
وضعت الهاتف أمامنا يعمل كـ مسجل، بعد أن خرجنا من المكان، فى طريقنا، أجرينا الحوار فى طريق الذهاب، كمل بالعودة، بينما نسير فى منعطف دائم، والمقود يتبع المنحنى الذي يخلفه.
وصلنا إلى أول مكان منعش منذ جئت قادما، لوح إليهم عبر الزجاج، من ناحيتي، لقد كانوا فى أوج نشاطهم، كاملين الأناقة، وقد كانوا جميعا يرتدون سترة، لها نفس الشكل واللون والهيئة، رفعت يدي إليهم جميعا، وعيني تلمع لرؤية الشمس تسطع فى نظارات سوداء، ولم يكن استقبال الأبطال انتهى، ابتسموا لي، وهو يبتعد، حزنت فراقهم، وقد مررنا بهم فقط، ودعتني الشمس، رقع هلامية ملتهبة، طفيفة الجو، تهذي أمواجاً على الدراجات النارية، يتحرك المشهد بسلاسة كأنه يعرف ما عليه أن يفعله تماما.
هبطنا من السيارة الكبيرة، والمكان مفاجأة أخرى، استراحة ضخمة المناظر، لم أغادر مكاني حتى انتهى، ولم يمكث طويلا هذه المرة. أدار المحرك.
أتينا من العالي وذهبنا إلى المنخفض، وأنا أحلم بيوم آخر، جيداً.
يظل التراث فى العيش، أخبرني المهندس مع آخر جملة، توقف المسجل عندها، قائلا لي نحن سنموت، أما هذه السيارات فلا تقلق بشأنها.
تعليقات
إرسال تعليق